تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[20 - 05 - 07, 08:00 م]ـ

شيخنا الفاضل

جزاك الله خيرا على هذا الكلام النفيس

أتمنى أن أعرف رأيكم في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية)، فقد ردّ على بعض هؤلاء بالأدلة العقلية والنقلية القاطعة، وتعرض لمسألة تناقض هؤلاء وطعنهم في الضروريات العقلية والمسلمات الشرعية.

وأما مسألة (فهمك لفهم النبي)، أو (فهمك لفهم العلماء لفهم الصحابة لفهم النبي لفهم كلام الله!!) فهي مسألة قريبة من المسألة التي ذكرها الرازي وهي الطعن في دلالة النصوص مطلقا، وأن النصوص لا يمكن أن تفيد القطع لتوقف ذلك على عشر مقدمات ظنية!!!

وقد تعرض شيخ الإسلام (في المجلد الثامن من بيان تلبيس الجهمية) لهذه الشبهة وبين بطلانها وأنها تتضمن الطعن في دين الإسلام بكلام في غاية النفاسة.

فأرجو منكم شيخنا مراجعته وبيان رأيكم فيه.

ـ[عصام البشير]ــــــــ[20 - 05 - 07, 09:48 م]ـ

كلام قوي يا أبا عبد المعز.

لكن ليتك تزيد مذهب هؤلاء الحداثيين تفصيلا وبيانا، وردا وتمحيصا، ولتحتسب في ذلك، فإني لأرجو أن يكون من الجهاد المطلوب في هذا الزمان.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[20 - 05 - 07, 10:25 م]ـ

شيخنا الفاضل أبا مالك:

لم أقرأ بعد التلبيس-وفي النية ذلك بحول الله-لكني قرأت فصولا من الدرء ... وهذا الكتاب –وهو في رأيي من مفاخر الفكر البشري و أعظم مصنف للشيخ –خصصه ابن تيمية للمشكلة ذاتها ...

ابن تيمية في طول هذا الكتاب وعرضه يقوم بنقد وتمحيص لمفهوم العقل ... وهذا النقد لا بد منه لأن القوم وضعوا ربطا بين النص والعقل ووضعوا معه تراتبية صارمة: العقل أولا ثم النص ثانيا ... أو الأصل العقلي أولا ثم الفرع النقلي بعده ... ودليلهم:النص عرف بالعقل وبطبيعة الحال لا بد أن يكون النص متأخرا ...

لا يمكن استعراض كل نظرية الشيخ في العقل ولكن سأشير إلى بعضها معبرا بلغة أقرب إلى متداول العصر:

-ابن تيمية- رحمه الله- كالعادة يبدأ بفحص المفاهيم [وهو منهج لم يظهر عند الغرب نفسه إلا في بداية القرن العشرين مع مذهب يسمى الوضعية المنطقية وجعل من مهامه نقد عبارات الفلاسفة ووضع الاصبع على فراغها من المعنى]

ما العقل إذن؟

لا يمكن أن يكون شيئا واحدا خارج الانسان يتحاكم إليه ... أي بلغة المتكلمين العقل ليس جوهرا وبلغة المعاصرين ليس له وجود موضوعي.

فلم يبق للعقل إلا الوجود العرضي ... أعني هو شيء يحمله الانسان ويقوم بالنفس.

وهنا يخير ابن تيمية خصومه بين أمرين:

-أن يكون العقل هو مجموعة من المعارف والعلوم.

-أن يكون العقل هو الاستعداد للمعرفة أي غريزة إنسانية.

على الأول:

سيكون التعبير بلفظ العقل –المعرف المفرد-تدليسا واضحا لأنه يوهم أن ثمة شيئا واحدا يوضع في مقابلة النص ..... وفي الحقيقة هي عقول لأن جملة المعارف والعلوم تختلف من شخص إلى آخر ... ولا يمكن الاطلاق هنا ... بل التقييد لا مناص منه:

فلا يجوز للرازي مثلا ان يقول:الاستواء حقيقة معارض للعقل .......... بل يجب عليه ان يقول: استواء الرحمن حقيقة معارض لعقلي ... وهذا شأنه ولكن ليس له أن يتدخل في عقول غيره ....

ثم هاهنا تلبيس آخر:

تلك العلوم والمعارف عندما توصف بكونها عقلية توهم أنها حقيقية واقعية ... مع أن محتويات العقل- أو ما يسمى بالعقل- فيه الغث والسمين والصحيح والباطل ... ومن هنا كان لزاما تقييد العقل مرة أخرى .. وهو ما فعله الشيخ في الاسم الآخر لكتاب الدرء ...

بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح.

صفة الصريح المقيدة للعقل هي أعظم مساهمة لشيخ الاسلام في هذا المجال:

وبدونها لا يمكن الرد على قانون الرازي:

ابن الخطيب يرى أن الوحي عرف بالعقل .. فإن تعارضا فلا بد من الاحتمالات التالية:

-يؤخذ بالوحي ويترك العقل.

-يؤخذ بالعقل ويترك الوحي.

-يؤخذ بهما معا.

-لا يؤخذ بأي واحد منهما.

الاحتمالان الاخيران باطلان قطعا ... بسبب مبدأ الثالث المرفوع.

وليس في الامكان إلا الأول أو الثاني ...

الأول باطل بسبب المقدمة الاولى:العقل دليل على الوحي. ولأن النتيجة هي القدح في الوحي نفسه ... على اعتبار أن تركنا للعقل قدح في العقل .. والعقل هو الذي دل على الوحي ... ولما كان الشاهد مجروحا لم يكن بد من اهمال المشهود ...

كل ما قاله الرازي هنا يبدو متينا ... ولا مفر من الذهاب إلى ما ذهب إليه ...

لكن ابن تيمية أفسد على الرازي كل شيء عندما أدخل تقييده العظيم .... :

العقل منه ظني وقطعي ... والنقل فيه الظني والقطعي.

فمن يعارض من يا رازي؟

المآل إلى الاخذ بالقطعي كائنا من كان .... ودعوى تعارض القطعيين رياضة ذهنية فقط لا وجود لها في الخارج ...

بقي الاحتمال الثاني في تعريف العقل:

-أن يكون العقل هو الاستعداد للمعرفة أي غريزة إنسانية.

في هذه الحالة لا يعقل التقابل بين النص والعقل ........ ولا يجوز أن نقول بمعارضة الثاني للأول لأنه ليس قسيما له ... كما لا يقال العطش يعارض الحديث أو الجوع يعارض الآية ... كذلك لا يقال العقل –بما هو سليقة وغريزة –يعارض هذا الخبر أو ذاك.

أما كلام الرازي الخطير عن الامور العشر ... فهو باطل قطعا ومردود .... ويكفيه بطلانا أن من لوازمه عدم الثقة في مخبر من المخبرين ولا متكلم من المتكلمين ... حتى لو كان المتكلم هو رب العالمين ...

والعجيب أن الرازي عندما كتب كلامه ذاك كان –من المفروض- يتوسم في قرائه أن يفهموا عنه ويقطعوا بمرامه ... فلا ندري هل كان يحسب لاعتراضاته العشر حسابا أم لا ...

على كل حال عندما يقول قائل: اللغة لا تصلح للتواصل .. يكون قد تناقض تناقضا فاحشا ... لا ينفع فيه التمييز المنطقي بين اللغة الموضوع واللعة الشارحة .. لأنه في حالة الرازي اللغتان من مستوى واحد.

لعلي أعود للموضوع لاحق بإذن الله.

أشكر شيخنا أبا محمد على تنويهه بكلمتي ... وياليته يشفع دعوته بدعائه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير