تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"كل ذلك من الأدلة القاطعة على عبقرية هذا الرجل" (1)

وعلى هذا فشخصية الإمام ابن تيمية تحوي في طياتها أموراً كثيرة ومؤثرات مختلفة منها ماله علاقة بتكوينه الشخصي، ومنها متعلق بأسرته، وبيئته ونشأته ومنها أمور مكتسبة وقبلها وبعدها توفيق وإلهام من الله – سبحانه وتعالى- ... فهو ذو مشاركات في كل علوم عصره وله مشاركات في شتى أمور الحياة حيث كان له دور بارز في نهضة الأمة فهو نسيج وحده، وهو رجل الدهر، وقد جعلت الكلام على العوامل المؤثرة في عبقريته ونبوغه كالتالي:

المطلب الأول: إخلاصه في طلب الحق وتبليغه:

الإخلاص عمل قلبي فلا يعمل ما يدور في القلوب إلا علام الغيوب ولكن هناك أمارات يتعرف الإنسان من خلالها على إخلاص شخص ما فيظهر فيها التزامه بما يقول دون التفات لتحصيل حطام دنيوي فانٍ بل يفعل ابتغاء وجه الله تعالى ومنها البعد عن الأمور المتعلقة بالهوى والشهوة والحسد بل إنه إن رأى نعمة على غيره برك عليه وهذا شأن المسلمين مع بعضهم، ومنها الجرأة في الحق متعالياً على ما يعقب ذلك من عواقب في نظر قصار النظر تكون كبيرة وعند ذي الهمة العالية تكون صغيرة فالمؤمن يراه حقاً عليه تجاه دينه وإرضاءً لربه خالقه واتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم ورفعة لشأنه، ومن أجلها بذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله والتضحية ببذل النفس والمال والولد فضلاً عن المنصب والجاه "وقد آتى الله ابن تيمية أكبر حظ من الإخلاص، فقد أخلص لله في طلب الحقيقة فأدركها وأخلص في نصرة الحق في هذا الدين فلم يقبضه إليه حتى ترك دوياً في عصره وتناقلته الأجيال من بعده وكل من يقرؤه يلمس نور الحقيقة ساطعاً مما يقرأ؛ لأنه يجد حرارة الإيمان بينة قوية لا تحتاج إلى كشف" (1)، ومن أمارات ذلك أن يجعل المسلم نصب عينيه الإخلاص وهو "أن تكون العبادة لله وحده وأن يكون الدين كله لله .. وأن تكون الموالاة فيه والمعاداة فيه وأن لا يتوكل إلا عليه ولا يستعان إلا به" (2)، والناظر لحياة هذا الإمام يجد له فيها أمثلة رائعةصارت مضرب الأمثال في الإخلاص العملي ولتكرر فعله تناقله العلماء قبل العامة "وقد تجلى إخلاصه في أمور أربعة أظلت حياته كلها فما كان يخلو منها دور من أدوار حياته مما جعلنا نؤمن بأن هذا العالم الجليل عاش دهره كله مخلصاً لله العلي العليم ولدينه الكريم:

أولها: أنه كان يجابه العلماء بما يوحيه فكره، يعلنه بين الناس بعد طول الفحص والدراسة، خصوصاً ما يكون مخالفاً لما جرى عليه مألوف الناس وعرف بينهم. لأمر الثاني: جهاده في سبيل إظهار الحق ولو بالسيف إن خصمه يحمل سيفاً كما حمل السيف مع التتار وكذلك في فتح عكا والقضاء على المعتدين من سكان الجبال بالشام.

الأمر الثالث: تبرؤه من الأغراض والهوى و المحاسدة والمباغضة بل اشتهر عنه عفوه عمن أساء إليه أما تبرؤه من الأغراض والهوى فيدل عليه أنه لما أظهر الله أمره للسلطان دعاه وأراه فتوى لبعض ممن تكلموا فيه بسوء واستفتاه في قتلهم فأثنى عليهم كما ذكر ذلك هو بنفسه إذ قال:"إن السلطان لما جلس بالشباك أخرج فتاوى لبعض الحاضرين في قتله واستفتاني في قتل بعضهم ففهمت مقصوده وأن عنده حنقاً شديداً عليهم لما خلعوه وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد دولتك مثلهم وأما أنا فهم حِلٌّ من حقي ومن جهتي وسكنت ما عنده عليهم" (1)، فلم يستغل وينتهز فرصة غضب السلطان عليهم لينتقم لنفسه بل دافع عنهم حتى قال القاضي زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية بعد ذلك: "ما رأينا أفتى من ابن تيمية لم نبق ممكناً في السعي فيه ولما قدر علينا عفا عنا" (2). فهذا الموقف ينبئ عن صدق مع الله وإخلاص، وكذلك له موقف آخر من الصوفية حينما آذوه بل تعدوا عليه بالضرب فلما علم بذلك بعض محبيه من الحسينية جاؤوا لنصرته "وقال له بعضهم: يا سيدي قد جاء خلف من الحسينية لو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا فقال لهم الشيخ: لأي شيء؟ قالوا: لأجلك فقال لهم: هذا ما يجوز قالوا: فنحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس فقال لهم: هذا ما يحل ... فلما أكثروا في القول قال لهم، إما أن يكون الحق لي أولكم أو لله: فإن كان الحق لي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير