وجماع أمرهم أنهم جعلوا الأمور العقلية التي لا تكون ثابتة إلا في العقل -كالمطلقات الكلية ونحوها- أمورا موجودة موجودة ثابتة في الخارج وزعموا أن هذا هو الغيب الذي أخبرت به الرسل وذلك ضلال.
16
والناس متنازعون في كونه فوق العالم: هل هو من الصفات التي تعلم بالعقل؟ كما هو قول أكثر السلف والأئمة، وهو قول ابن كلاب وابن كرام وآخر قولي القاضي أبي يعلى، أو هو من الصفات السمعية التي لا تعلم إلا بالسمع، كما هو قول كثير من أصحاب الأشعري، وهو أول قولي القاضي أبي يعلى وطائفة معه.
17
وهؤلاء يريدون بالعقل الغريزة ولوازمها من العلوم التي تحصل لعامة العقلاء، وأن ذلك بمجرده لا يوجب المعرفة، بل لا بد من أمر زائد على ذلك
17
الطرق القياسية العقلية النظرية وإن كان منها ما يفضي إلى العلم فهي لا تفصل النزاع بين أهل الأرض؛ تارة لدقتها وغموضها وتارة لأن النفوس قد تنازع في المقدمات الضرورية كما ينازع أكثر النظار في كثير من المقدمات الضرورية.
ولهذا لم يأمر الله عند التنازع إلا بالرد إلى الكتب المنزلة.
21
وفيه أن الله يعرف ويعبد بالعلم، لا بمجرد الغريزة العقلية، وهذا صحيح لا ينازع فيه من يتصور ما يقول.
ومن يقول: إن المعرفة تحصل بالعقل، يقول: إنما تحصل بعلوم عقلية، أي يمكن معرفة صحتها بنظر العقل، لا يقول: إن نفس العقل -الذي هو الغريزة ولوازمها- يوجب حصول المعرفة والعبادة.
وقد تنازع كثير من الناس في مسمى العلم والعقل، أيهما أشرف؟ وأكثر ذلك منازعات لفظية. فإن العقل قد يراد به الغريزة، وقد يراد به علم يحصل بالغريزة، وقد يراد به عمل بالعلم.
22
ومنه الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كان مرسلا- إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات
[لم يجده المحقق]
24
وقد قال ابن عباس: التفسير أربعة أوجه ...
28
ولهذا جوز أهل الإثبات أن تقع المعارف النظرية ضرورية وبالعكس
29
فمن ظن أن المعرفة والإيمان يحصل بمجرد عقله ونظره واستدلاله –كما تقوله القدرية- كان ضالا
33
وقد تنازع أهل الإثبات في اقتضاء النظر الصحيح العلم: هل هو / بطريق التضمن الذي يمتنع انفكاكة عنه عقلا؟ أو بطريق إجراء الله العادة التي يمكن نقضها؟
34
وقد يكون الرجل من أذكياء الناس وأحدهم نظرا ويعميه عن أظهر الأشياء، وقد يكون من أبلد الناس وأضعفهم نظرا ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فلا حول ولا قوة إلا به.
44
وما ذكرناه من كون الإقرار بالصانع فطري ضروري هو قول أكثر الناس، حتى عامة فرق أهل الكلام، قال بذلك طوائف منهم من المعتزلة والشيعة وغيرهم.
45
وكون المعرفة يمكن حصولها بالضرورة، لم ينازع فيه إلا شذوذ من أهل الكلام، ولكن نازع كثير منهم في الواقع، وزعم أن الواقع أنها لا تحصل لأكثر الناس إلا بالنظر، وجمهور الناس نازعوه في هذا وقالوا: بل هي حاصلة لأكثر الناس فطرة وضرورة.
46
[نقلا] وقال طوائف منهم الجاحظ وصالح قبة وفضل / الرقاشي والصوفية وكثير من الشيعة: معارف الدين كلها حاصلة بطريق الضرورة
49
وهذا الأصل تنازع فيه المتأخرون من عامة الطوائف. فلكل طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد فيه قولان، وأما الحنفية فالمعروف عنهم القول بتحسين العقول وتقبيحه، ونقلوا ذلك عن أبي حنيفة نفسه، وأنه كان يوجب بالعقل معرفة الله تعالى.
ولأصحاب الحديث والصوفية وغيرهم في هذا الأصل نزاع، ومن / القائلين بتحسين العقل وتقبيحه من أهل الحديث أبو نصر السجزي وأبو القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهما، وذكروا أن إنكار ذلك من بدع الأشعري التي لم يسبق إليها، وممن قال ذلك من أصحاب أحمد أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب وغيرهما، بل ذكروا أن هذا قول جمهور الناس
54
قال [أبو الخطاب]: دليل ثالث: أنه لو لم يكن في قضاء العقول إلزام وحظر، لأمكن العاقل أن لا يلزمه شيء أصلا، لأنه متى قصد بالخطاب سد سمعه فلم يسمع الخطاب.
59
وأبو الخطاب يختار ما يختاره كثير من الحنفية أو أكثرهم مع من يقول ذلك من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم من أن الواجبات العقلية لا يشترط فيها البلوغ، بل تجب قبل البلوغ، بخلاف الواجبات الشرعية.
61
وقد ذكر الحاكم الشهيد في المنتقى
[المحقق: لم أعرف من هو]
63
¥