ويشترط في السبب الشرعي ثبوته في الشرع فقط.
وكثيرا ما يخلط الناس في هذه الأمور فيظنون أنه بمجرد حصول النفع بوسيلة ما تكون هذه الوسيلة جائزة ومشروعة، فقد يحدث أن يدعو أحدهم وليا، أو يستغيث بميت فيتحقق طلبه وينال رغبته، فيدعي أن هذا دليل على قدرة الموتى على إغاثة الناس، وعلى جواز دعائهم والاستغاثة بهم. وما درى أن وقوع مثل هذا إنما هو استدراج من الله عز وجل للمشركين والمبتدعين، وفتنة منه سبحانه لهم جزاء وفاقا على إعراضهم عن الكتاب والسنة، واتباعهم لأهوائهم وشياطينهم. فنجد هذا قد وقع في الشرك، وذلك لأن الاستغاثة بغير الله شرك أكبر. مع أن كثيرا من الحكايات من هذا النوع مختلق لا صحة له، أو يكون صحيحا لكن راوي الحادثة أخطأ في حكمه على المنقذ والمغيث فظنه الولي أو الصالح؛ وإنما هو شيطان رجيم قصد بذلك التلبيس عليه وعلى الناس حتى يقعوا في الكفر والضلال. وقد كان يقع مثل هذا للمشركين حينما كانوا يأتون الأصنام ويدعونها،فيسمعون صوتا، فيظنون أنه صوت معبودهم يكلمهم ويجيبهم، وليس في الحقيقة سوى شيطان يريد إضلالهم.
وأهم ما يقع فيه الخلط في هذا الباب الاتصال بعالم الغيب بطريقة ما، كإتيان الكهان والعرافين والمنجمين والسحرة، فإنه قد يقع الأمر على وفق ما أخبر به هؤلاء فيعتقد الناس فيهم معرفة الغيب، وهذا خطأ جسيم، فمجرد حصول منفعة ما بواسطة ما، لا يعني هذا مشروعيتها، كما أن بيع الخمر ولعب الميسر قد يؤديان إلى غنى صاحبهما أحيانا، ومع ذلك فهما محرمان. فكذلك إتيان الكهان والعرافين والمنجمين محرم فلا يجوز فعله، وإن قدر وجود نفع فيه.
تنبيه:
ما ثبت أنه وسيلة كونية يكفى في إباحته والأخذ به ألا يكون في الشرع النهي عنه. وأما الوسائل الكونية فلا يكفي في جواز الأخذ بها عدم النهي عنها بل لا بد من ثبوت النص الشرعي بإباحتها واستحبابها؛ لأن الاستحباب قدر زائد على الإباحة،؛ لأنه مما يتقرب به إلى الله، والقربات لا تثبت بمجرد عدم النهي عنها. قال شيخ الإسلام: " الأصل في العبادات المنع إلا لنص، وفي العادات الإباحة إلا لنص".
?
التوسل المشروع وأنواعه
شرع الله تعالى لنا أنواعا من التوسلات المفيدة المحققة للغرض، والتي تؤدى إلى إجابة دعاء الداعي إذا توفرت شروط الدعاء الأخرى.
وبتتبع ما ورد في الكتاب والسنة المطهرة نجد أن هناك ثلاثة أنواع من التوسل، ورد بعضها في القرآن واستعملها الرسول ? وحض عليها، وليس فيها التوسل بالذوات أو الجاهات أو الحقوق أو المقامات، فدل ذلك على عدم مشروعيته وعدم دخوله في الوسيلة المذكورة في الآيتين السالفتين.
والأنواع المشار إليها هي:
1 - التوسل على الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا:
كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، أو بحبك لمحمد ?؛ لأن الحب صفة من صفاته تعالى. ومن أدلته من القرآن قوله تعالى: ? ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ?. والمعنى: متوسلين بها.
ومن السنة قوله ?: " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني ما علمت الوفاة خيرا ... " ().
2 - التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي:
كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي .... أو يذكر عملا صالحا ذا بال قام به ثم يتوسل به إلى ربه. ومن أدلته من الكتاب قوله تعالى: ?الذين يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار? وقوله ? ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ?.
ومن السنة: ما رواه بريدة بن الحصيب حيث قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال: قد سأل الله باسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب" ().
وكذا ما تضمنته قصة الثلاثة الذين دخلوا غارا فجاءت صخرة فسدته عليهم، فجعلوا يدعون الله بصالح أعمالهم حتى فرج الله عنهم هذه الصخرة وخرجوا يمشون"، وهي مشهورة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما.
3 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح
¥