كأن يقع المسلم في ضيق وشدة، أو يحل به بلاء، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تعالى، فيذهب إلى رجل صالح عنده تقوى وفضل، فيطلب منه أن يدعو له ربه ليكشف عنه ما هو فيه.
ومن أدلة ذلك: ما أخرجه البخاري (3/ 1313/3389) عن أنس رضي الله عنه قال:
"أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلكت الكراع هلكت الشاء فادع الله يسقينا. فمد يديه ودعا قال أنس وإن السماء لمثل الزجاجة فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم نزل نمطر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه. فتبسم ثم قال (حوالينا ولا علينا). فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل".
وما رواه أيضا أنس بن مالك رضي الله عنه " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب. فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون" ().
ومعنى كلام عمر: أننا كنا نقصد نبينا ? ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن بعد وفاته لم يعد ذلك ممكنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعو لنا. وليس المعنى أنهم كانوا يقولون: اللهم بجاه نبيك اسقنا فصاروا بعد موته ? يقولون بجاه العباس اسقنا؛ بل هذا بدعة لم يفعله أحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ومنه أيضا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه (18/ 151/1) بسند صحيح عن سليم بن عامر الخبائري:" أن السماء قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال أين يزيد بن الأسود الجرشي، فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي يا يزيد: ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه ورفع الناس أيديهم فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح في سقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم".
ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[11 - 02 - 09, 09:11 ص]ـ
الحلقة الثانية
بطلان التوسل بما عدا الأنواع الثلاثة السابقة
هذه الأنواع الثلاثة المتقدمة وقع الإجماع على مشروعيتها، وأما ما عداها ففيه خلاف، والذي تقتضيه الأدلة هو: عدم جواز غيرها أو مشروعيته، وليس مع مَن جوز إلا شبها واحتمالات نرد عليها في الفصل التالي؛ لكنا نقول هنا: إذا نظرنا في الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والتي منها ما يعلمنا ربنا كيف ندعو به ابتداء وبعضها مما يحكيه عن بعض رسله وأوليائه. وكذا في السنة الصحيحة وما فيها من الأدعية النبوية الكريمة؛ لا نجد في شيء منهما التوسل بالجاه أو الحرمة أو الحق أو المكانة لشيء من المخلوقات.
ومن الغريب أن يعرض المخالفون عن هذه التوسلات القرآنية والنبوية المشروعة فلا يكادون يستعملونها، ويعمدون بدلا منها إلى أدعية وتوسلات بدعية ليست في الكتاب ولا في السنة ولا جاءت عن السلف الصالح، وأقل أحوالها أنها مختلف فيها، فما أجدرهم بقوله تعالى ? أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير?.
?
شبهات والجواب عنها
الشبهة الأولى:
احتج القائلون بجواز التوسل بذوات الأنبياء والصالحين بحديث أنس السابق في توسل عمر بالعباس، حيث فهموا منه أن التوسل كان بجاه العباس ومكانته عند الله تعالى، وأن سبب عدول عمر عن التوسل بالنبي ?؛ إنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل.
والجواب أن تفسيرهم هذا مردود من وجوه:
- من المتفق عليه أن في كلام عمر شيئا محذوفا، وهو إما " إنا كنا نتوسل بجاه نبيك فتسقنا، وإنا نتوسل إليك بجاه عم نبيك، أو يكون: إنا كنا نتوسل بدعاء نبيك، وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبينا".
¥