أن نقول: هذا قياس منكم للخالق على المخلوق، وتشبيه منكم لقيوم السماوات والأرض، أرحم الراحمين وأعدل العادلين، بالملوك الظالمين المتجبرين الذين لا ينظرون في مصالح الرعية ولا يقضون حوائج الناس إلا بالوسائط أو الرشاوى، فما أبشع هذا التشبيه! وما أعظم هذه الفرية على رب العالمين الذي وسعت رحمته كل شيء بل هو أرحم بالمؤمن من أمه وأبيه.
ثم إن هذا التوسيط وسيلة إلى الشرك، فقد انتقل أقوام من توسيط الصالحين في الدعاء إلى سؤال الصالحين أنفسهم ودعائهم من دون الله ليقضوا لهم حاجاتهم. وهذا هو عين الشرك الأكبر.
قال العز بن عبد السلام في رسالة الواسطة ص5: " من أثبت الأنبياء وسواهم من مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله نعالى حوائج خلقه، وأن الله تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم، فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أندادا".
?
الشبهة الخامسة
هل هناك مانع من التوسل المبتدع على وجه الإباحة لا الاستحباب؟؛ بمعنى أن التوسل بالأنبياء والصالحين وإن لم يثبت ما يدل على مشروعيته فلا مانع من جوازه لأنه لم يرد النهي عنه، فيكون حينئذ مباحا؟
قدمنا في أول البحث أن الوسيلة معناها: التوصل إلى تحصيل المقصود وهو إما أن يكون شرعيا أو دنيويا، وذكرنا أيضا أنه متى كان المقصود شرعيا فلا يمكن معرفة وسيلته إلا من طريق الشرع فحسب، كيف والأصل في العبادات المنع والحظر لا الإباحة والجواز. ثم إن عندنا في الشرع ما يغني عن هذا التوسل البدعي، فلماذا نعرض عما ورد ونذهب إلى ما لم يرد، كما أن في التوسل البدعي ما تقدم من تشبيه الله تعالى بملوك البشر وحكامهم، وهذا غير جائز.
الشبهة السادسة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح
قالوا: إذا كان التوسل بالعمل الصالح جائزا، فالتوسل بالرجل الصالح الذي صدر منه هذا العمل أولى بالجواز وأحرى بالمشروعية.
والجواب من وجهين:
- هذا قياس، والقياس في العبادات باطل، ولو طردنا هذا القياس لقيل: إذا جاز توسل الشخص بعمله هو لجاز من باب أولى توسله بعمل النبي أو الولي لأن عملهما فوق عمله بكثير، وهذا باطل لم يقل به أحد.
- قلب هذا القياس عليهم؛ فيقال: إذا لم يجز توسل المسلم بعمل غيره الصالح فأولى ثم أولى ألا يجوز توسله بذاته. وهذا بين.
الشبهة السابعة: قياس التوسل بذات النبي على التبرك بآثاره
قال بعضهم: إذا شرع التبرك بآثاره ? فليكن التوسل بذاته مشروعا كذلك.
وللجواب نقول: لا بد من توضيح الفرق بين التبرك والتوسل فقد غلط بعضهم وسوّى بينهما. ذلك أن التبرك هو: التماس من حاز أثرا من آثار النبي ? حصول خير به خصوصية له ?، وأما التوسل فإرفاق الدعاء بشيء من الوسائل التي شرعها الله تعالى؛ وعليه: فالتبرك: يرجى به شيء من الخير الدنيوي فحسب، بينما يرجى بالتوسل الخير الدنيوي أو الأخروي.
وعلى هذا؛ فإنه يشرع للمسلم إذا أراد قضاء حاجة دينية أو دنيوية أن يقول في دعائه: اللهم إني أتوسل إليك بأنك أنت الله الأحد الصمد ... ، ولا يجوز له أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بثوب نبيك، أو بصاقه أن تدخلني الجنة. لا شك أن هذا من نقص العقل والفهم فضلا عن الدين والعقيدة.
ونحن نعرف أن الصحابة كانوا يتبركون بآثاره ? فحسب، ولا يتوسلون بذلك ولا يقدمونه بين يدي الدعاء.
تنبيه:
لا ننكر جواز التبرك بآثاره ? بشروط منها صدق إيمان الراغب في التبرك، وإلا لم يحصل أي بركة، وأيضا لابد من حيازة الراغب في التبرك لأثر من آثار النبي ? من ثياب أو شعر أو نحو ذلك، لكننا نعلم أن هذه الآثار قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على جهة القطع واليقين، وعليه فالموضوع غير ذي بال في زماننا هذا،؛ فإنه أصبح نظريا محضا.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[18 - 02 - 09, 08:01 ص]ـ
الحلقات الماضية في ملف (وورد)
ـ[محمد السلفي الفلسطيني]ــــــــ[26 - 02 - 09, 05:04 م]ـ
جزاك الله خيرا