وقال الترمذي تحت باب (باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار) تعقيبا على حديث " فتقول هل من مزيد حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها ": والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رَوَوْا هذه الأشياء، وقالوا: تروى هذه الأحاديث ويؤمن بها ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث، أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت، ويؤمن بها ولا تُفسر ولا تُتوهم ولا يُقال: كيف؟ وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه. اهـ
وقال الذهبي: والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات، فقال: أمرها كما جاءت بلا تفسير. اهـ سير أعلام النبلاء (8/ 105).
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: عندما سئل عن الاستواء فقال آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك. اهـ
قال الإمام ابن قدامة: قال أبو بكر الخلال أخبرنا المروذي قال: سألت أبا عبد الله عن أخبار الصفات، فقال تُمرها كما جاءت. ... الخ، فهذا معنى التفويض عند السلف الصالح، فلنقف عنده.
وقد أشبع الأخ الفاضل القول في التفويض، فذكر مشكوراً أن التفويض هو إثبات ما ورد به الشرع، ثم رد معاني الصفات الموهمة للتشبيه إلى الله تعالى، وذكر أدلة السلف على التفويض، من كتاب الله تعالى، من مثل قوله سبحانه: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11}، وأطال النفس في هذا الموضوع.
وذكر أدلتهم من السنة، فأورد حديث عائشة رضي الله عنها: قالت تلا رسول الله صلى اله، عليه وسلم هذه الآية: [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}، قالت: قال رسول الله صلى الهي عليه وسلم فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
وذكر دليل الإجماع على التفويض، ونقل قول ابن قدامة الإجماع على التفويض ... (ونحن على طريقة سلفنا، وجادة أئمتنا، وسنة نبينا صلى الهض عليه وسلم، ما أحدثنا قولاً، ولا زدنا زيادةً، بل آمنا بما جاء، وأمررناه كما جاء، وقلنا بما قالوا، وسكتنا عما سكتوا عنه، وسلكنا حيث سلكوا، فلا وجه لنسبة الخلاف والبدعة إلينا).
2 - وقال الشيخ حفظه الله تعالى كلاما جميلاً حقاً، في معنى كلمة السلف [السلف الذين أعنيهم في بحثي هذا، هم الصدر الأول الصالح، أهل القرون الثلاثة المفضلة، والخلف هم الذين جاءوا من بعدهم وسلكوا على طريقتهم، وليس مرادنا بالسلف هم من وجدوا في الزمن الأول، فإنه قد وجد في الزمن الأول طوائف من الضلال من أمثال الخوارج والمرجئة والمجسمة والجهمية والمعطلة وغيرهم، فهؤلاء سلف سوء، لا كرامة لهم ولا اعتبار بهم]
3 - (المراد بالكيف). قال الشيخ الفاضل: إن من اعتمد على قول الإمام مالك الاستواء معلوم والكيف مجهول، ليحمل صفات الباري تعالى على مقتضى الحس والحقيقة اللغوية، إنه لا متمسك له فيها، بل هو أبعد الناس عنها، ثم أورد ما رواه الإمام البيهقي بسنده إلى يحيى بن يحيى، يقول: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجلٌ فقال يا أبا عبد الله: [الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى] {طه:5}، كيف استوى؟ فأطرق مالك رأسه ثم علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، فأمر به أن يخرج.
وقال: أما لفظة الاستواء معلوم والكيف مجهول، فلا تصح مسندة إلى إمام دار الهجرة.
ونقل كلام ابن الجوزي رحمه الله تعالى [فما للحس معه مجال، عَظَمَتُه عَظُمَتْ عَنْ نَيْلِ كَفِّ الخيال، كيف يقال له كيف، والكيف في حقه محال]
¥