تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويؤكد العقَّاد على أن النبوة بدأت في جنوب العراق حيث كان إبراهيم ـ عليه السلام ـ ثم الشام ثم الحجاز فيقول: (ويطرد الترتيب بزمانه كما يطرد بمكانه فمن أشور إلى حبرون (25) أو بيت المقدس، إلى مدن خليج العقبة إلى مدينة الحجاز المقدسة، وعندها نهاية المطاف) ويقول بعد ذلك مستنتجاً ومؤكداً (وإننا لو سلكنا التاريخ الديني طرداً وعكساً، ثم سلكناه عكساً وطرداً، لما كان له من مسلك أقوم وأثبت من بدايته ونهايته بين [أور] في جنوب العراق ومكة في وسط الحجاز)

ماذا يحدث؟

هذا الكلام في سياق استدلال العقاد على وجود الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ يريد أن يرد أقوال العلمانيين الذين لا يؤمنون بالمصادر الدينية كمصدر تاريخي، فراح يحدثهم بأن علم (الحفريات)، وأن (البديهيات) العقلية ـ بزعمه ـ على أن الأنبياء كانوا بالمدن التجارية التي تختلط فيها البداوة بالحضارة .. تلك المدن التي تكون على مقربة من الصحراء (مكة)، و (سدوم) (25)، و (مدين)، وحيث أن مُدن النهرين (دجلة والفرات) كانت مدن قوافل، إذاً كان لا بد أن يكون فيها أول نبي، إبراهيم ـ عليه السلام ـ!!

يدلل بهذا على وجود إبراهيم عليه السلام، وهو دليل ساقط في كنهه وساقط في محله الذي يوجه إليه، ومنقوص أينما نظرت إليه، ولا يعنيني مناقشة العقاد من هذه الناحية، وإنما فقط أردت أن أبين نظرة الرجل للنبوة والأنبياء من خلال هذا الطرح.

ولاحظ أنَّ العقاد يرى أن الأنبياء لا يصلحون إلا لهذه المدن، ولا يصلحون لا للبادية ولا للمدن الكبيرة ذات الحضارة.!! ويرى العقاد أن هناك نوعين من الديانات، ديانات الأنبياء و (ديانات) غير الأنبياء، ويقارن بينهما فيقول: (والاختلاف بينها وبين الديانات الأخرى أن النبي لا يعينه أحد ولا ينبعث بأمر أحد، ولكنه ينبعث بباعث واحد من وحي ضميره ووحي خالقه) (28)

ويقارن بين النبي والكاهن فيذكر أن الكاهن يعين والنبي لا يعين، ويذكر أن الكاهن وجهته نظام المجتمع وتقاليد الدولة وما إليها من الظواهر أو الواجبات العامة، والنبي وجهته سريرة الإنسان!! (29) وأضف إلى ذلك ما تقدم من أن النبي يبعث في مدن القوافل أمّا الكهان فيبعثون في المدن الكبرى ذات الحضارات.!! وأضف إلى ذلك ما أشار إليه بقوله (إذ كانت أمانة النبوة المجاهدة شيئاً غير أمانة الإصلاح والتعليم)، فالأنبياء لشيءٍ آخر غير الإصلاح والتعليم.

وهذا الكلام لا تجده ولا تسمع به إلا عند العقاد، لا يقول به مسلم ولا نصارني ولا يهودي .. بل ولا وثني، فقط تسمعه من العقَّاد المتفرد دائماً، ولا تتعب نفسك بالبحث عن مصدره فلن تجد، إنه العقاد محبوس في شقة ضيقة يستضيء (بلمبة جاز) لا يبين ضوئها الكلمات، وجهده في الغريب المريب، ولذا تجد تخبيطاً لا تدري من أين جاء به؟!

الكهانة كانت موجودة في البادية وفي الحضر .. في المدن الكبرى وفي المدن الصغرى، في كل مكان حلَّ فيه الإنسان .. عند العرب وعند الهنود وعند الرومان وعند أهل اليونان وأهل السودان، وليس فقط في المدن الكبرى كما ادعى العقَّاد، وكهان الجزيرة العربية، وكهان الفراعنة والحضارات القديمة يعرفهم ويكتب عنهم كل من خطَّ بيدان أو تكلم بلسان.!!

والأنبياء عمت دعوتهم الجميع، لم تترك بيت مدر ولا وبرٍ إلا دخلته، وموسى ـ عليه السلام ـ بُعث في أقوى حضارة في زمانه حيث الكهان!! ومن قبله إبراهيم عليه السلام كان في بلد ذات حضارة أيضاً. وهود عليه السلام بعث في قوم هود وكانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وإذا بطشوا بطشوا جبارين، وصالح كان في قوم ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين .. الخ. فليس بصحيح أن ما يذهب إليه العقَّاد من أن الرسالات محصورة ومحدودة بحدود مدن القوافل، لا مدن الحضارات.!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير