بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ) (15) (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ) (16).
لا يرى العقاد أيَّا من هذا ويمضي ليقول أنهم كانوا مشركين لم يعرفوا التوحيد إلا بعد ذلك بقرونٍ عديدة!!
والتبس الأمر على العقاد، فبنوا إسرائيل طرأ عليهم الشرك كما غيرهم من الأمم، ولم يخل زمان من نذير يذكر الناس بأيام الله، ولم تخل أمة من رسول يتلو عليها آيات ربه، قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} فاطر24، و (يهوه) الذي يتكلم عنه العقادُ ظهر في المشركين من بني إسرائيل، ولم يكن هو معبود بني إسرائيل كلهم من أبيهم إبراهيم إلى عيسى ـ عليه السلام ـ والذين جاءوا من بعده، وإنما عبده المشركون منهم فقط أولئك الذين حرفوا الكتاب، وعُرِفَ عند يهود وعند غير يهود من الوثنين ممن عاصروهم أو سبقوهم أو لحقوهم (17).
فعَبَدَتُ (يهوه) هم المشركون من بني إسرائيل، وهم الذين كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله، وما هو من عند الله بل قالوا على الله الكذب وهم يعلمون. وظن العقاد أن كل بني إسرائيل بما فيهم الأنبياء عبدوا (يهوه)!!
والعقاد متردد كما هي عادته في كل ما يقدم، ففي بداية كتاب (إبراهيم أبو الأنبياء) (18) يقرر في المقدمة أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ علَّم الناس التوحيد (إن دعوة الخليل قد اقترنت بالتوحيد)، ويصرح بأنه أول نبي (19) ـ وهو خطئ كما قدمنا ـ وبعدها بقليل يقرر عكس ذلك كله فيقول بأن البشرية عرفت التوحيد قبل إبراهيم ـ عليه السلام ـ ولكنها لم تعرف الأنبياء، وإنما عرفت التوحيد قبل إبراهيم ـ عليه السلام ـ من الكهان في المعابد والهياكل، ويسمي ما قبل إبراهيم ـ عليه السلام ـ بعصور الكهانات والهياكل!!
وكل ذلك خطأ، وكل ذلك عكس ما قدَّمه في كتابه (الله).!!
وأمر (يهواه) متردد العقاد ففي كتاب (إبراهيم أبو الأنبياء) يذكر العقاد أن (يهواه) إله يهود المزعوم (كان معروفاً عند قبائل سوريا الشمالية بل إن أسماء الآلهة كانت واحدة عند الشام وفلسطين واليمن والعراق) (20) وهذا نقد لما قرره في كتاب الله جل جلاله.
ومتردد في حديثه عن بني إسرائيل فحيناً يقرر بأن بني إسرائيل كانوا على الشرك ولم يعرفوا التوحيد إلا قبيل ظهور المسيح عليه السلام. ثم يعترف العقاد في ذات الكتاب ـ وهو يتكلم عن تأثر اليهود بالفلسفة ـ بأن الأنبياء كثروا في بني إسرائيل!!
النبوة والأنبياء عند عباس العقاد
عند العقاد أن الأنبياء بعثوا في مدن القوافل فقط (21)، أو المدن التي تكون قريبة من الصحراء حيث تختلط البداوة بالحضارة. وعند العقَّاد أن المدن المتصلة ذات الحضارات القديمة لا تصلح لدعوة الأنبياء، فقط يظهر في المدن الكبيرة الكهان .. أو بالأدق يصلح لها الكهان ولا يصلح لها الأنبياء!!، يقول: (فليست دعوى النبوة بالدعوة التي تشيع وتجتذب إليها الأسماع في مواطن الحضارة القديمة بعد استقرار العمران فيها بعاداته وآفاته مئات السنين أو ألوف السنين ... وإذا شاع الفساد في مواطن الحضارة فالمسألة في هذه الحالة مسألة تشريع وقانون أو مسألة تنظيم وتدبير .. فليست بلاد العمران المتصل مهداً صالحاً للرسالة والنبوة) (22)
وعند عباس العقَّاد أن أهل البادية لا يصلحون للرسالات .. تخرج منهم أو تقيم بينهم، فتعرُّفهم على (الحقوق والفضائل وخلائق الصلاح والاستقامة التي ينشرونها باسم الإله ويستمعون وحيها من نذر السماء فذلك من وراء التخيل فضلا عن التفكير فيه) (23)
ويؤكد هذا المعنى فيقول: (فنشأ الحكماء والنساك في الصين والهند على مثال كنفشيوس وبوذا ولم ينشأ فيهم الأنبياء المرسلون والرسل المجاهدون. إذْ كانت أمانة النبوة المجاهدة شيئاً غير أمانة الإصلاح والتعليم) (24)
¥