لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فأمثال هؤلاء لم يفهموا القرآن والسنة فهماً صحيحاً ولهذا لما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين: إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيما أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي فإذا كان كذلك اختلفوا) (الأعتصام 2/ 183)
مولده وموطنه
ا- مولده:
لم تسعفنا كتب التاريخ والتراجم والمقالات بشيء عن تاريخ ولادته، وليس ذلك بمستغرب، فالرجل ضال مبتدع، ولولا ما ابتدعه ما اشتهر وما عرف، إضافة إلى أن العناية بهذا الجانب تعد ضعيفة إلى حد كبير في تراجم السابقين، والجعد لم يعط عناية بتاريخ قتله فضلاً عن أن يعطى عناية بتاريخ مولده.
ب- موطنه:
إن مما لا شك فيه أن للبيئة التي ينشأ فيها الإنسان أثرها البالغ في حياته سلباً وإيجاباً، فالإنسان مدني بطبعه يتأثر بمن حوله، ويؤثر على من حوله، فإذا وجد الإنسان البيئة الصحيحة السليمة ساعد ذلك في تنشئته التنشئة السليمة، وإعداده الإعداد الجيد، وبنائه البناء السليم.
وإذا كان الأمر على العكس من ذلك، بحيث ينشأ المرء في بيئة منحرفة متلوثة بالأفكار الفاسدة، فإن ذلك ينعكس سلباً على الشخص الذي ينشأ في هذه البيئة، فقد يتشرب تلك الأفكار ويعتقدها ويكون من حملة لوائها.
والجعد بن درهم من هذا الصنف الثاني، فبيئته التي نشأ فيها ساعدت على حمله لأفكار الضلال وتشربه لها.
أما من حيث المنطقة فهو ينسب إلى الجزيرة الفراتية وفي ذلك يقول الهروي: (فأما الجعد فكان جزري الأصل) وهذه النسبة إلى الجزيرة وهي بلاد بين دجلة والفرات وإنما قيل لها جزيرة لهذا وفيها عدة بلاد منها الموصل، وحران، والرقة، وغيرها.
أما عن موطنه وبلده:
فالجعد بن درهم فيما قيل من أهل "حران" كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قال الإمام أحمد: وكان يقال إنه [أي الجعد] من أهل حران)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أهل حران)
وقال ابن عساكر: (وقيل إنه كان من أهل حران)
وقال الذهبي: (وأصله من حران)
وحران مدينة تقع بالجزيرة الفراتية من أرض العراق ولا يتعارض هذا القول مع ما ذكره ابن كثير في تاريخه حيث قال: (قال غير واحد من الأئمة كان الجعد بن درهم من أهل الشام)
فالجعد بن درهم حراني المولد والنشأة، وكان يسكن الجزيرة الفراتية في أول أمره، وعمل في تلك الفترة معلماً ومؤدباً لمروان بن محمد لما كان والياً على الجزيرة أيام هشام بن عبد الملك ثم انتقل بعد ذلك إلى دمشق وسكن فيها ثم هرب من دمشق إلى الكوفة.
وإذا كان الجعد قد نشأ بحران وتعلم فيها، فإن حران كانت دار الصابئة المشركين، وفيها خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين المشركين، وكانت الصابئة إلا قليلاً منهم إذ ذاك على الشرك، وعلماؤهم هم الفلاسفة وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل وكان بها هيكل "العلة الأولى" هيكل "العقل الأول" هيكل "النفس الكلية" هيكل "زحل" هيكل "المشترى" هيكل "المريخ" هيكل "الشمس" وكذلك "الزهرة" و"عطارد" و "القمر".
وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانية فيهم، ثم ظهرت النصرانية فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الإسلام. ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الإسلام إلى آخر وقت، ولذا لما قدم الفارابي حران في أثناء المائة الرابعة دخل عليهم، وتعلم منهم، وأخذ عنهم ما أخذ من الفلسفة.
فيكون الجعد قد أخذ مقالته عن هؤلاء الصابئة الفلاسفة الذين يقولون: إنه ليس للرب إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قال الإمام أحمد: وكان يقال إنه [أي الجعد] من أهل حران، وعنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات وكان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة، بقايا أهل هذا الدين أهل الشرك ونفي الصفات والأفعال ولهم مصنفات في دعوة الكواكب)
تشير بعض المصادر إلى أن الجعد كان في بدء أمره يسكن الجزيرة الفراتية من أرض العراق وفيها بدء نشر فكره الضال المنحرف.
¥