تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد زعم هؤلاء الحمارية أن الخمر ليست من فعل الله، وإنما هي من فعل الخمار، لأن الله تعالى لا يفعل ما يكون سبب المعصية وزعموا أن الإنسان قد يخلق أنواعاً من الحيوانات، كاللحم إذا دفنه الإنسان أو يضعه في الشمس فيدود، وزعموا أن تلك الديدان من خلق الإنسان، وكذلك العقارب التي تظهر من التبن تحت الآجُرّ زعموا أنها من اختراع من جمع بين الآجُرّ والتبن.

وهذا الزعم كان الجعد أسبق من الحمارية إليه فقد ذكر ابن حجر في اللسان أن الجعد كان يقول بذلك حيث قال: (وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها

أنه جعل في قارورة تراباً وماءً فاستحال دوداً وهواما فقال: أنا خلقت هذا لأني كنت سبب كونه)

ولذلك فإني لا استبعد أن تكون الحمارية نسبة إلى مروان الحمار الذي تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغير ذلك كما أشار إلى ذلك ابن الأثير وغيره. وبهذا يعلم أن أفكار الجعد كانت تدور حول تعطيل ذي الجلال والإكرام وإنكار صفاته، وتكذيب رسله، وإبطال وحيه.).

الجهم بن صفوان يتابع الجعد بن درهم في ضلالاته

قال: [وأخذ هذا المذهب عن الجعد الجهم بن صفوان، فأظهره وناظر عليه، وإليه أضيف قول الجهمية] والجهمية: علم مشهور يطلق على منكري صفات الله سبحانه وتعالى، وعلى القائلين أيضاً: بأن الإيمان هو مجرد المعرفة، فبمجرد أن الإنسان يعرف الله فهو مؤمن عندهم، وعلى الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان كالريشة في مهب الريح، لا إرادة له ولا اختيار، أرأيتم كيف جمع الجهم بين هذه المصائب الثلاث، وكل واحدة منها كافية في أن يعاقب بما عاقبته به الأمة الإسلامية، من ذكره بأسوأ الذكر في كل كتب تواريخها وسيرها وأعلامها ورجالها، فضلاً عما عوقب به من القتل في عصره. فهو يقول: إن الله تعالى لا يوصف بشيء، ويقول: إن الإيمان هو المعرفة، ويقول: إن العبد مجبور على أفعاله، لا إرادة له ولا اختيار، بل هو كالريشة في مهب الريح. وكل واحدة من هذه تستحق أن يعاقب صاحبها إذا أصر عليها بمثل العقوبة التي عوقب بها الجهم.

والجهم ترجم له وذكر شأنه كثير من العلماء، ومن أجلهم وأقدمهم الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه خلق أفعال العباد، ذكر نبذاً من ذلك عن الأئمة الذين تكلموا في الجهم.

تناظر الجهم وتشككه في دينه السمنية

وهناك طائفة موجودة في الهند ومثل فكرتها أيضاً في الفكر اليوناني، يقولون: لا نؤمن إلا بالمحسوس المشاهد الذي يراه الإنسان بعينه، ويلمسه بيده ويسمعه بإذنه، ويشمه بأنفه، هذا المحسوس نؤمن به، فما عدا ذلك ينكرونه بزعمهم، وفي الحقيقة لا يوجد إنسان ينكر كل شيء غاب عن هذه الحواس بهذا الشكل القاطع، لكن هكذا ظهرت، وهذا الضال المسكين -الجهم - لأنه أراد أن يتشبه بشيخه الجعد، وأراد أن يصبح فيلسوفاً أو حكيماً وأعرض عن الكتاب والسنة، وكان من أجهل الناس بالقرآن والسنة وأحكامهما، وكان من أبعد الناس عن العلماء وعن حلقاتهم، وهنا نأخذ العبرة والعظة من أين تأتي الضلالات؟!

فالتقى بقوم من فلاسفة الهنود فلما قالوا: ما دينك؟ قال: مسلم. قالوا: من تعبد؟ قال: أعبد الله. قالوا: كيف ربك هذا؟ قال: ما أدري. قالوا: هل رأيته؟ قال: لا. قالوا: هل لمسته؟ قال: لا. قالوا: هل شممته؟ قال: لا. قالوا: هل سمعته؟ قال: لا. قالوا: هل ذقته؟ قال: لا. قالوا: إذاً: أنت يا جهم تؤمن بشيء لا وجود له، فشككوه في دينه، فانظروا إلى هذا المسكين، لا علم عنده ولا فقه، ولم يرد الأمر إلى أهل العلم، لأن الله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وهكذا تجد أي مسلم عنده شبهة وضلالة فإنما هو من مجالسة أهل البدع، ولهذا نعلم خطورة قول من يقول: يجب أن ننفتح على الفكر العالمي ونحن واثقون مطمئنون، ونقول: سبحان الله! أننفتح على الأفكار الهدامة والضلالات المردية، فيقع في القلوب من الشبه والشكوك ما الله به عليم؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير