تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و اعلم أنّه قد كثر النّكير عليك من العلماء و الفضلاء، و الأخيار في الآفاق، بمقالتك الفاسدة في الصّفات، و قد أبانوا وَهَاءَ مقالتك، و حَكَوْا عنك أنّك أبَيْتَ النّصيحة، فعندك من الأقوال الّتي لا تليق بالسّنّة ما يضيق الوقت عن ذكرها، فذُكر عنْكَ: أنّك ذكرتَ في الملائكة المقرّبين الكرام الكاتبين، فصلاً زعمتَ أنّه مواعظُ، و هو تشقيقٌ و تَفَيْهُقٌ (4)، و تكلّفٌ بشعٌ، خلا أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلّم، و كلام السّلف الصّالح الّذي لا يخالف سنّةً، فعمدتَ و جعلتها مناظرةً معهم، فمن أذِنَ لك في ذلك؟ و هم مستغفرون للّذين آمنوا، و لا يستكبرون عن عبادة الله، و قد قرن شهادته بشهادتهم قبل أولي العلم، و ما علينا كان الآدمي أفضل منهم أم لا، فتلكَ مسألةٌ أخرى، فشرعتَ تقول: " إذا ثارت نار الحسد فمن يطفيها؟ " و في الغيبة ما فيها، مع كلامٍ غثٍّ، " أليس منّا فلانٌ؟ و منّا الأنبياء و الأولياء؟ " مَنْ فعل هذا مِنَ السّلف قبلك؟ و لو قال لك قائلٌ من الملائكة: أليسَ منكم فرعونُ و هامان! أليس منكم من ادّعى الرّبوبية! فعمّن أخذتَ هذه الأقوال المحدثة، و العبارات المزوّقة، الّتي لا طائل تحتها؟ و قد شغلتَ بها النّاس عن الاشتغال بالعلم النّافع، أحدُهم قد أُنسي القرآن و هو يُعيدُ فضل الملائكة و مناظرتهم، و يتكلّم به في الآَفاق، فأين الوعظ و التّذكير من هذه الأقوال الشّنيعة البشعة؟

ثمّ تعرّضتَ لصفات الخالق تعالى،كأنّها صدرت لا من صدرٍ سكن فيه احتشامُ العليّ العظيم، و لا أملاها قلبٌ مليءٌ بالهيبة و التّعظيم، بل مِن واقعات النّفوس البَهْرَجِيَّة الزّيوفِ، و زعمتَ أنّ طائفةً من أهل السّنة و الأخيار تلقَّوْها و ما فهموا! و حاشاهم من ذلك، بل كفُّوا عن الثّرثرة و التّشدّق، لا عجزاً - بحمد الله - عن الجدال و الخصام، و لا جهلاً بطرق الكلام، و إنّما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علمٍ و درايةٍ، لا عن جهل و عماية.

و العجبُ ممّن ينتحل مذهب السّلف، و لا يرى الخوضَ في الكلام، ثمّ يُقْدِمُ على تفسير ما لم يره أوّلاً، و يقول: " إذا قلنا كذا أدّى إلى كذا "، و يقيس ما ثبت من صفات الخالق على ما لم يثبت عنده، فهذا الّذي نهيتَ عنه، وكيف تنقضُ عهدك و قولَك بقول فلانٍ و فلانٍ من المتأخّرين؟ فلا تشمت بنا المبتدعة فيقولون: " تنسبوننا إلى البدع و أنتم أكثر بدعاً منّا، أفلا تنظرون إلى قول من اعتقدتم سلامة عَقْدِه، و تثبتون معرفته وفضله؟! ". كيف أقول ما لم يُقل؟ فكيف يجوز أن تتّبعَ المتكلّمين في آرائهم، و تخوضَ مع الخائضين فيما خاضوا فيه، ثمّ تنكرُ عليهم؟ هذا من العجب العجيب. و لو أنّ مخلوقاً وصف مخلوقاً مثلَه بصفاتٍ من غير رؤيةٍ و لا خبرٍ صادقٍ، لكان كاذباً في إخباره، فكيف تصفون الله سبحانه بشيءٍ ما وَقَفْتُم على صحّته، بل بالظّنون و الواقعات، و تنفونَ الصّفات الّتي رضيها لنفسه، و أخبر بها رسوله بنقل الثّقات الأثبات، بيُحتمل، و يُحتمل؟!

ثمّ لك في الكتاب الّذي أسميته " الكشف لمشكل الصّحيحين " مقالاتٌ عجيبةٌ، تارةً تحكيها عن الخطّابيّ و غيره من المتأخّرين، أََطّلعَ هؤلاء على الغيب؟ و أنتم تقولون: " لا يجوز التّقليد في هذا "، ثمّ: " ذكره فلانٌ، ذكره ابنُ عقيلٍ "!، فنريد الدّليل من الذّاكر أيضاً، فهو مجرّد دعوى، و ليس الكلام في الله وصفاته بالهّين ليُلقى إلى مجاري الظّنون ...

إلى أن قال:

إذا أردتَ: " كان ابن عقيلٍ العالمُ "، و إذا أردتَ: " صار لا يَفْهَمُ "! أَوْهَيْتَ مقالته لما أردتَ.

ثمّ قال:

و ذكرتَ الكلام المُحدث على الحديث، ثمّ قلتَ: " و الّذي يقع لي "! فبهذا تقدم على الله؟ و تقول: " قال علماؤنا، والّذي يقع لي "! تتكلّمون في الله عزّ و جلّ بواقعاتكم تخبرون عن صفاته؟! ثمّ ما كفاك حتّى قلتَ: " هذا من تحريف بعض الرّواة " تحكّماً من غير دليلٍ، و ما (5) رويتَ عن ثقةٍ آخر أنّه قال: " قد غيَّرَه الرّاوي "! فلا ينبغي بالرّواة العُدولِ أنّهم حرَّفوا، و لو جوَّزتم لهم الرّواية بالمعنى، فهمْ أقرب إلى الإصابة منكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير