الأول: تنزيه الله تعالى في أفعاله عن النقائص، وهذا لا يقول به الأشاعرة لأن النقص هو القبح العقلي بعينه كما صرح به العضد في المواقف وغيره، والله لا يقبح منه شيء.
الثاني: تنزيه الله تعالى في صفاته الذاتية عن النقائص، وهذا مما أجمع عليه الأشاعرة، وإن اختلفوا: هل المدرك السمع أم العقل أم الإجماع؟.
والقاضي أبو بكر الباقلاني يقول بأن الثاني مدركه العقل لذلك قال شيخ الإسلام - كما نقلتم عنه - عن الجويني والرازي: " وخالفوا ما كان عليه شيوخ متكلمة الصفاتية كالأشعرى والقاضي وأبى بكر وأبى إسحاق ومن قبلهم من السلف والأئمة في إثبات السمع والبصر والكلام له بالأدلة العقلية وتنزيهه عن النقائص بالأدلة العقلية ".
لكن المسألة التي ذكرتها في النبوات ليست مبنية على هذا الخلاف بين الأشاعرة في المدرك لنفي النقص في الصفات الذاتية، وإنما هي مبنية على نفيهم التحسين والتقبيح العقليين لذا كان الباقلاني غير معتمد على دليل عقلي في هذه المسألة: " فلم يعتمد القاضي أبو بكر وأمثاله في تنزيه الأنبياء لا على دليل عقلي ولا سمعي من الكتاب والسنة فإن العقل عنده لا يمنع أن يرسل الله من شاء إذ كان يجوز عنده على الله فعل كل ما يقدر عليه ".
الثانية: أنك اجتزأت كلام الجويني اجتزاءً مُخِلاً، فما هو جوابه عن الإيراد الذي أورده على نفسه بقوله: " فإن قيل: الإجماع لا يدل عقلا وإنما دل السمع على كونه دليلا والسمع وإن تشعبت طرقه فمآله كلام الله تعالى وهو الصدق وقوله الحق والأفعال لا تدل على ثبوت الكلام بل سبيل إثباته كسبيل إثبات السمع والبصر كما سنذكره فلو وقعت الطلبة في الكلام نفسه وأسندنا إثباته إلى نفي الآفة ثم رجعنا في نفي الآفة إلى الإجماع الذي لا يثبت إلا بالكلام لكنا محاولين إثبات الكلام بما لا يثبت إلا بعد العلم بالكلام عليه وذلك نهاية العجز " ... ؟.
أما الفائدة: فهي بيان أن الغزالي ممن قال بنفي النقائص عن الله تعالى بالعقل خلافاً لشيخه الجويني ويراجع كلامه في الاقتصاد عند الكلام على صفتي السمع والبصر.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[15 - 03 - 09, 10:35 م]ـ
جزاك الله خيرا
أولا: أنا لم أشر إلى مذهب الباقلاني إلا في مسألة النبوات وهو أنه لا يقبح على الله فعل شيء فيجوز عقلا أن يرسل الله فاعلا للكبائر ولكن تنزيهه عن ذلك إنما جاء بالشرع ولم يأت لأن الله منزه عن إرسال ظالم أو مرتكب للفواحش أو مكاس أو غير ذلك فإنه لا يعلم نفي شيء من ذلك بالعقل لكن بالخبر.
وهذه المسألة مرتبطة بما ذكرنا – حسب علمي - لأن الذي لا يقول بحسن وقبح العقل يجره ذلك إلا عدم قبح شيء لا من الخالق ولا من المخلوق؛ وهذا الذي قالوا به ولم يمنعهم إلا الإجماع المزعوم.
ومن الدليل على الترابط أن شيخ الإسلام أشار إلى كلام الجويني عند حديثه عن المعجزة
قال رحمه الله: ومن ظن أن الكمال لا يعلم إلا بالسمع كصاحب الإرشاد أثبت صدق الرسول بدلالة المعجزة الجارية مجرى تصديق الرسول وقال إن العلم بكونه رسولا وتصديق المرسل له لا يقف على العلم بكونه متكلما ثم يعلم تنزيهه عن النقائص بالسمع.
فقال له آخرون فإذا كان مرجعكم في نفي النقائص إلى السمع فأثبتوا هذه الصفات بالسمع من أول الأمر ولا حاجة بكم إلى جعل ذلك موقوفا على مقدمة نفي النقائص التي لا تثبت إلا بالسمع.
الصفدية (2
40)
ثانيا: وأما ادعاء إجماع الأشاعرة في تنزيه الله عن النقائص فيما يتعلق بالصفات الذاتية لا إشكال في ذلك على حسب صحة الإجماع المزعوم ولكن ما مستندهم لهذا التنزيه؛ هذه هي نكتة المسألة فيلزم على مذهب من ذكرنا فعل القبائح والنقائص والآفات ولم يمنع من ذلك إلا الإجماع وحتى هذا الإجماع المزعوم لا يقطع به عندهم لأنه ظني ليس بقطعي كما قدمنا من كلام شيخ الإسلام وابن القيم فأي دليل وأي برهان دل على تنزيه الباري وهذا مستندهم ولذلك اشتد نكير شيخ الإسلام وابن القيم عليهم كما قدمنا.
فنحن نبحث مسألة مستند هذا التنزيه المزعوم.
وثالثا: هذا ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبالذات في مسألة الصفات الذاتية.
قال شيخ الإسلام: ونحن نبهنا على هذه الفوائد الجليلة منها أن طائفة من أهل الكلام كصاحب الإرشاد ومن اتبعه يزعمون أن تنزيهه عن النقائص لم يعلموه بالعقل بل بالسمع وهو الإجماع على ذلك وجعلوا عمدتهم فيما ينفونه عنه هو نفي الجسم كما فعلت ذلك المعتزلة واعتمدوا في نفي الجسم على إثبات حدوث الأجسام واعتمدوا في ذلك على امتناع حوادث لا أول لها.انتهى
ومعلوم أن الجسمية تعلقها الذات والفعل.
وقال رحمه الله: ثم إنه إذا علم استحقاق الرب تعالى لصفات الكمال لزم أن يكون متكلما سميعا بصيرا لأن هذه الصفات من صفات الكمال وإن لم يتصف بها لزم اتصافه بنقائصها؛ ومن ظن أن الكمال لا يعلم إلا بالسمع كصاحب الإرشاد أثبت صدق الرسول بدلالة المعجزة الجارية مجرى تصديق الرسول ... ثم قال: وأما أئمة الصفاتية فيقولون إن إثبات الكمال ونفي النقص يعلم بالعقل ولهذا أثبت هذه الصفات بالعقل أئمة السلف وأئمة متكلمة الصفاتية كالأشعري وأمثاله فإنهم كلهم يثبتون استحقاق الرب لهذه الصفات بالعقل.
الصفدية (2
40)
ورابعا: وأما اجتزائي من كلام الجويني فالمراد توثيق النقل وليس بحث كلامه – هدانا الله وإياك إلى الحق -
¥