تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعليه، فإن ذيوع كتابه "نقد العقل العربي" لا يعود إلى قوته العلمية وإنما إلى "الضعف" المعرفي لدى متلقيه من المثقفين العرب من ذوي الاختصاصات الأخرى الذين ظلت الفلسفة العربية الإسلامية أضعف جوانب تأسيسهم التعليمي منذ الصغر، لما أحاط بدراسة وتدريس الفلسفة في العالم العربي بعامة من محاذير وموانع ما تزال قائمة.

أما المختصون في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية؛ فإن ما جاء به الجابري لم يكن جديداً عليهم إلا في بعض المفردات والمصطلحات، وعلى سبيل المثال: فإن التقسيم التبسيطي والاختزالي الذي جاء به الجابري لخارطة الفكر العربي بين "بيان" و"برهان" و"عرفان"، لم يكن سوى تسميات أخرى لما أطلق عليه "المنحى الفقهي" و"المنحى الفلسفي" و"المنحى الصوفي" في تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ أمد بعيد. (انظر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب تاريخ الفلسفة العربية لكمال اليازجي وأنطون كرم، بيروت، 1965م). هذا فضلاً عن وقوعه – نظير بعض مفكري الغرب في القرن التاسع عشر- في طروحات "عرقية"، بين غرب عقلاني ومشرق صوفي مناهض للعقل. وكما لاحظ مفكر مشرقي طويل الباع في الفلسفة الإسلامية وهو طيب تيزيني، فإن الجابري قد أخرج المفكر المعتزلي والكاتب المعرفي البارز (الجاحظ) من المدرسة العقلية العلمية التي كان من أوائل مؤسّسيها، ليلحقه بخفة بمدرسة البيان ضمن تعميماته الاختزالية (انظر: طيب تيزيني، من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي).

وبالنظر إلى "الأمية" الفلسفية السائدة في قطاعات واسعة من المثقفين العرب المعاصرين، فقد غاب عنهم أن أول مشروع جدير بالالتفات لدراسة العقل العربي في العصر الحديث قد تمثّل في مؤلفات الباحث المصري الرائد أحمد أمين الموسومة: "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" بأجزائه المتعددة وذلك منذ عام 1929م، أي قبل سبعين عاماً.

والفرق أن أحمد أمين كتب دراساته في العقل العربي بلغة علمية مباشرة ومجردة، بينما كتبها الجابري بأسلوب لا يخلو من جاذبية – تفكيراً وتعبيرًا- وفي ذهنه مخاطبة المثقفين العرب المؤدلجين والحائرين منذ هزيمة 1967م وهم بانتظار مَن يعيد لهم تأسيس قناعاتهم الفكرية. واللافت للنظر أن الجابري يُغفل ذكر أحمد أمين ولا يشير إلى دراساته التأسيسية السابقة بما لا يقل عن نصف قرن لظهور مشروعه، بما يثير التساؤل عن مدى الالتزام بالوفاء العلمي بين أجيال المفكرين العرب.

ولم يقف تغافل الجابري عند حد إغماط حق المفكرين السابقين نظير أحمد أمين، فقد نقل عن فهمي جدعان – أحد المفكرين العرب المعاصرين – مادة أساسية "حذو النعل بالنعل" من كتابه "المحنة" بشأن محنة ابن حنبل والمعتزلة، ولم يشر إليه إلا إشارة جزئية عابرة لا تتناسب مع ما نقله عنه، بما يخالف المتعارف عليه "في الدائر العلمية الجادة" حسب تعبير جدعان (انظر النص الكامل لشهادته في: "العلمانية والممانعة الإسلامية" لعلي العميم، ص 123وما بعد).

وكان جدعان قد حذّر من الانبهار بأصحاب "مشاريع العقل العربي" التي صدرت في: "مجلدات مهيبة لكنها جاءت حافلة بالمسائل الخلافية وبالتأويلات الشاردة أو المبتسرة ... وتلقفتها وسائل البث الإعلامي الأيديولوجي "الموازية" وسعت إلى توظيفها في غايات سياسية أو أيديولوجية" (جدعان، الطريق إلى المستقبل، ص92). ومن جانب آخر، لفت جدعان إلى أن: "وقائع السنوات الأخيرة، مثلاً قد أبانت عن أن ثلة مرموقة من كبار العقلانية ونقّاد العقل قد تخلّت تماماً ... عن جميع أسلحتها العقلانية، حيث كانت تفرض عليها هذه الوقائع وضع عقلانيتها موقع التنفيذ، فلم يكن إلا أن وضعتها بين قوسين، وذهبت في الطريق المضاد لأحكام العقل ... ". (جدعان، المصدر ذاته، ص58)، ملمحاً بذلك إلى ديماغوجية موقف الجابري من فتنة احتلال الكويت وتدمير العراق (1990 - 1991م)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير