ثانيا: يواصل الكاتب حكاية من يصف حاله -ولست أدري هل يقصد نفسه أو غيره- بأنه ابن بيئة (طقوسية) شعبية، ثم يقول: (فهو سليل قوم منذ أكثر من 14 قرنا ونصف القرن كانوا يصرون على الوصول إلى الله عن طريق من يقربهم إليه زلفى) فهل راقَ للكاتب هذا الإصرار؟ فليس في كلامه ما يشعر بإنكاره، والذين وصفهم قبل أربعة عشر قرنا هم من كفرهم الله وحكم بخلودهم في النار؛ فقال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، وإذا كان الكاتب مقرا لهذا الإصرار فليست محادة لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- وراء هذه المحادة.
ثالثا: ينعى الكاتب على ذوي (الثقافة الجرداء مسطحة الفكر) أنهم يرون المقابر: (مصائر قوم لا علاقة لهم بالحياة ولا بالظواهر، وليست عوالم روحية تتصل بالأرواح)! فكيف يراها الكاتب؟ إنه بالتأكيد يرى عكس ما يعيب، فهل يعلم أنها الشبهة الداحضة للمشركين عباد الأموات قديما وحديثا؟ فالموتى عندهم عوالم روحية تتصل بالأرواح، وذات علاقة بالحياة وأهلها؛ لذا فقد تعلقوا بها وقصدوها وهتفوا باسمها في الشدائد. ولقد جاءنا من ربنا الهدى؛ قال سبحانه في شأن الأموات: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) هذا كلام الله .. الأموات لا يسمعون دعاء الأحياء .. ولا يستجيبون لهم ..
فأين الاتصال بالأحياء؟
أكلام الله خيرٌ أم كلام الألمعي؟
وهل من يقول بقول الله جل جلاله ذو (ثقافة جرداء مسطحة الفكر)؟!
رابعا: يصف الكاتب حال القبوريين عند قبر (سيدي عبد الرحمن) بالجزائر -بأسلوب الإقرار والرضا-: بأنهم يتبركون بشرب الماء الذي ينبع بجوار الضريح؛ وهذا عند أهل الإسلام تبرك شركي، شبيه بالتبرك "بذات أنواط".
ويصفهم بالجلوس أمام الضريح؛ وهو عكوف شبيه بعكوف المشركين عند "ذات أنواط".
ويصفهم بالتقرب للولي بالنذور والقربات المالية -وأسماها الكاتب: صدقات تدفع لسادن المقام! - وهو شرك صريح عند من عرف حقيقة الإسلام؛ لأنه صرف حق الله لغيره.
ويُخبر أن النساء الجميلات (هكذا!) يعرضن مشكلاتهن الكثيرة متوسلات بسيدي عبد الرحمن!
يعرضنها لمن يا هذا؟ إن العرض على صاحب الضريح ورفع الحاجات إليه شركٌ بالله ومنازعةٌ له في خالص حقه، والأدلة على أن دعاء الأموات والتماس الحاجات منهم شرك أكثر من الأدلة على أن السجود والركوع لغير الله شرك، وإذا لم يكن هذا شركا فليس على وجه الأرض شرك، قال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)، وقال سبحانه: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا). ويصف أخيرا هذه الأجواء الملوثة بالشرك بـ (الأجواء الروحانية الحانية)! فإنا لله وإنا إليه راجعون، وليَهن عباد ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر وصف الكاتب! فلا فرق -ورب السماء- بين ما كان عليه المشركون الأولون، وبين ما يحكيه الكاتب مما يحصل عند هذا الضريح وأمثاله؛ فإن تلك الأوثان التي ذكرها الله في سورة نوح ليست سوى مشاهد ومقامات بُنيت على قبور صالحين (وعظماء)، وما يُفعل عندها (طقوس) كهذه الطقوس؛ فالأسماء مختلفة، والواقع لا يختلف!
خامسا: ويمضي الكاتب قدما في التخبط؛ ليصف هذه الطقوس الشركية -وسبق ذكر بعضها- بأنها (ليست أمورا عقدية على الإطلاق؛ وإنما هي تعبير حسي عن الأمل والصلة بالبعيد غير المنظور، وبحث عن الصفاء والنقاء والنجاة بأساليب لم تكفِ فيها عندهم وسائل العبادة المتفق عليها) يا هذا أقصر! فإن محمدا عليه الصلاة والسلام ما بُعث إلا لنقض ما إليه تدعو.
إنه إذا كان ما تقرره صحيحا -من أن هذه الطقوس ليست أمورا عقدية- فإن علينا إعادة النظر فيما جاء في نصوص الوحي من تكفير عباد اللات وتضليلهم؛ فلم يكن هو إلا رجلا صالحا (عظيما) ولم يكن من قومه إلا إقامة طقوس (تخلّد ذكراه)، ليست بأمور عقدية على الإطلاق!
فأي ضلال فوق هذا الضلال؟!
¥