تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذاً ما نَتَجَ عن خلق الله - عز وجل - في الأمرين فهو مخلوق لله - عز وجل -.

ففعل العبد نتج عن الإرادة والقدرة وهما مخلوقان.

فنتج شيء عن خلق الله - عز وجل -، فإذاً هو مخلوق لله - عز وجل - لأنَّ الله سبحانه وتعالى جعل العمل نتيجة للقدرة والإرادة.

مثل النبات: أنزل الله - عز وجل - من السماء ماءً فأنْبَتَ به أزواجاً من نبات شتى.

الماء نَزَلْ، والأرض موجودة، فبِسَبَبِ الماء وبسبب الأرض خرج النبات.

فهل يقال: إنَّ النبات خلقه الماء والأرض؟

ليس كذلك باتفاق المسلمين، باتفاق الناس، لم؟

لأنَّه نتيجة لنزول الماء الذي هو مخلوق باتفاق القدرية وأهل السنة، ونتيجة لنزول الماء على الأرض والتراب، والتراب والأرض مخلوق باتفاق أهل السنة والجماعة والقدرية والناس جميعاً.

فإذا كان كذلك كان ما ينتج عنهما وهو النبات مخلوق؛ لأنه نتج عن شيئين اجتمعا (الماء والتراب) وما نتج عن مخلوقين فإذاً له نفس الحكم.

إذا تبين ذلك فإذاً نقول أهل السنة والجماعة في تقريرهم في خلق أفعال العباد استدلوا بالآية كما ذكرنا لكم من قبل {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62]، وبقوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، وأيضاً استدلوا بهذه القاعدة وهو أنَّ عمل العبد لا ينتج إلا عن هاتين الصفتين.

لهذا إذا لم يعط الله - عز وجل - العبد القدرة فإنه يرفع عنه التكليف «صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعداً» (1) {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:61].

وإذا لم يُعْطِهِ الإرادة كأن يكون مجنوناً لا يريد، أو كان صغيراً إرادته لا تتوجه إلى شيءٍ بِجَزْمْ مع عقل فإنه أيضاً يكون التكليف مرفوعاً عنه لأنَّ الفعل لا يتوجه إليه.

الحقيقة إذاً أنَّ العبد ابْتُلِيَ بهذه الصفات التي فيه.

ابتلي بالصفات الجسمانية هذه كلها ومنها صفة القدرة وصفة الإرادة.

إذاً فَتَحَصَّلَ لك أَنَّ معنى خلق أفعال العباد والدليل عليها هو ما ذكرنا من الأدلة من القرآن.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله صانع كل صانع وصنعتِه» (2) يعني صَنَعْ الناس وصَنَعَ أيضاً ما يصنعون.

ولهذا نقول إنَّ الدليل على خلق أفعال العباد واضح من الكتاب والسنة، وأيضاً مما قرّرنا لك من صفات الإنسان وما ينتج عن ذلك من الدليل العقلي.

وثَمَّ بسط كثير في الاستلال على هذه المسألة محله المطولات.

هذه ألفاظ ترد معك في مباحث القدر لا بد أن تعرفها بوضوح ثم بعد ذلك إذا قرأت ما شئت من الكتب في باب القدر ستكون واضحة إن شاء الله تعالى لك.


(1) البخاري (1117) / أبو داود (952) / الترمذي (372) / ابن ماجه (1223)
(2) المستدرك (85)

[المسألة الثامنة]:
معنى الاستطاعة التي وَصَفَ الله - عز وجل - بها المكلف ونفاها عن بعض فقال في النفي {وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعَا} [البقرة:267]، والعبد مستطيع: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطِيعُوا} [التغابن:16].
فالعبد أُثْبِتَتْ له استطاعة ونُفِيَتْ عنه استطاعة.
والاستطاعة التي أثْبَتَها ربنا - عز وجل - للعبد غير الاستطاعة التي نفاها.
وهذه المسالة مسألة الاستطاعة فيها بحثٌ طويل مع القدرية والجبرية معاً، وسيأتي تفصيل الكلام عليها إن شاء الله تعالى في آخر شرح الطحاوية؛ لأنه تعرض لها الطحاوي في أواخر هذه العقيدة المختصرة.

[المسألة التاسعة]:
في معنى إضلال الله - عز وجل - من أَضَلْ، وهدايته من هَدَى.
إذا كنا نقول إنَّ الإنسان غير مجبور على الضلال وغير مجبور على الهدى.
فما معنى قوله {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} (1) وهذا من احتجاجات الجبرية؟
ما معنى {وَمَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:39]؟
ما معنى {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَد} [الكهف:17]؟
ما معنى {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدي} [الأعراف:178]؟
ما معنى {مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ} [الأعراف:186]؟
ونحو ذلك من الآيات التي فيها لفظ الإضلال والاهتداء لله - عز وجل - وفق مشيئته سبحانه وتعالى وإرادته.
هذه المسألة ضل فيها الناس ومن أجلها ضَلَّت الجبرية والقدرية.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير