تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام

فحين اخترع الأشعري مذهبه الذي هو جَبْرٌ باطن لا جَبْراً ظاهرا، لما [ ..... ] ووجد في لفظ الكَسْبْ في الكتاب والسنة مخرجاً له فقال الأعمال كسب.

كيف يتوافق هذا مع قوله في القَدَرْ؟

قال: الكَسْبْ عبارة عن تعلق القُدْرَةْ بالحال أو غير ذلك من التفاسير.

واختلف أصحابه في تفسير الكَسْبْ على هذا الاصطلاح الذي هو كسب الجبر.

كيف يكون للإنسان كسب وهو مجبور؟

اختلفوا في تفسير الكَسْبْ على أوجه كثيرة أكثر من عشرة أوجه، وكلها راجعة إلى نوع من التعلق ما بين القدرة والإرادة والعمل والتكليف، وهذا فيه صعوبة في الربط بينها.

ولذلك أهل العلم حتى الأشاعرة قال محققوهم: إنه لا حصيلة تحت هذه العبارة التي هي عبارة الكَسْبْ على خلاف معنى العمل.

3 - مذهب أهل السنة والجماعة:

أما القول الثالث في الكَسْبْ فهو قول أهل العلم والسنة والحديث من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم فإنهم قالوا إنَّ الكَسْبَ هو العمل وهو الفعل، والله - عز وجل - قال {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، وفَرَّقَ ما بين الكَسْبْ والاكتساب مع أنَّ كثيراً من أهل العلم يجعلون الكَسْبَ والاكتساب بمعنى واحد؛ لكن في الآية قال {لَهَا مَا كَسَبَتْ} يعني في الخير، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فجعل الاكتساب فيه زيادة في المَبْنَى؛ لأنّ فيه نوع كُلْفَة، فالخير موافق للفطرة فَيَكْسَبُهُ الإنسان لموافقته لفطرته مع أنَّه تكليف، وأمّا الشر والرَّدَى والضلال فإنه مخالف لفطرته.

لذلك إتيان المحرمات وإتيان الموبقات ونحو ذلك على ما في الإنسان ربما من الشهوة لبعض ذلك لكن يحتاج معه إلى أن يُعْمِلَ نفسه، يعني أن يُتْعِبَ نفسه ويخالف فطرته في أن يأتي تلك الموبقات.

لذلك زاد المبنى ليدل على أنها فيها نوع كَلَفَة ومشقّة في ما يعمله المرء من الشر، قال {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} يعني من الشر.

فجعل أهل السنة الكسب بمعنى العمل.


(1) البقرة:281، آل عمران:161.

[المسألة السابعة]:
وهذه المسألة متعلقة بمعنى خلق الله - عز وجل - لفعل العبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.
فقد قلنا: إنَّ الإنسان عَمَلُهُ من خير أو شر يضاف إليه حقيقة، فهو الذي عَمِلَ الخير حقيقة وهو الذي عَمِلَ الشر حقيقة.
ومع ذلك لا يقال: إنه خَلَقَ فعله، بل هو عَمِلَهُ ويُضَافُ إليه لأنه كَسَبَهُ وعَمِلَه.
وأما خَلْقُ الفِعْلِ فالله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ سبحانه وتعالى.
وبيان ذلك في الفَرْقْ ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مذهب القدرية و المعتزلة وأشباه هؤلاء:
أنَّ العبد كَسَبَ العمل وعَمِلَ العمل حقيقة؛ لأنَّ ذلك العمل نتج عن شيئين فيه من الصفات لا يمكن له أن يُحْدِثَ العَمَلْ إلا بوجود هاتين الصفتين:
فالصّفة الأولى: هي صفة القدرة التامة.
والصّفة الثانية: هي الإرادة الجازمة.
فإذا كان عند العبد قدرة تامة وإرادة جازمة حَصَلَ له الفعل.
تَوَجَّهَتْ قدرته التامة -يعني ليس بعاجز- وإرادته الجازمة -يعني ليس بمتردد- تَوَجَّهَتْ للشيء فعمله.
فيكون الفعل حدث: بقدرة العبد وبإرادته.
1 - بقدرته التامة.
2 - وبإرادته الجازمة.
فالذي تكون قدرته ناقصة لا يُحْدِثْ الفعل.
والذي تكون إرادته مترددة لا يُحْدِثْ الفعل.
مثلاً الإتيان إلى المسجد للصلاة: شخص لا يستطيع أن يأتي إمَّا لمرض أو لغير ذلك فهذا ربما عنده إرادة لكن ليس عنده قدرة، ولذلك لا يحصل منه (الفعل-العمل-الكسب) وهو إتيان المسجد.
آخر عنده قدرة تامة ولكن ليس عنده إرادة البتة ليس عنده إرادة لإتيان المسجد فلا يمكن بالقدرة أن يُحْدِثْ الإتيان.
وقد يكون عنده إرادة لكن عنده تردد، ما جَزَمَ على الإتيان فلا تتحرك جوارحه وآلاته؛ لأنَّ إرادته ليست جازمة.
فإذاً العمل -فعل العبد- عند أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يحدث إلا بقدرة تامة وإرادة جازمة.
وقدرة العبد صفة من صفاته لم يُقْدِرْ هو نفسه باتفاق الناس.
وإرادة العبد صفة من صفاته لم يُحْدِثْ- إرادة نفسه ويختار الإرادة يعني أن يكون مريدا بنفسه-، وإنما الله - عز وجل - هو الذي خَلَقَ فيه القدرة وآلات القدرة وخلق فيه الإرادة وله الإرادة ومقتضيات الإرادة.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير