تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وآخر نَفْسُهُ فيها خير، فَمِنَ الخير الذي معه أنَّهُ ينتقل من توفيقٍ إلى توفيقٍ أعظم منه حتى يصل بسبب عمله أنَّ الله - عز وجل - يُنْعِمْ عليه بتوفيقٍ زائد ثم بتوفيقٍ زائد ثم بتوفيقٍ زائد، مثل ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره «وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه -يعني وُفِّقَ في سمعه- الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» (1) هذا كله توفيق، مزيد إعانة في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب والتي يُحَاسب العبد على ما صنعت جوارحه.

إذاً فحقيقة إضلال الله - عز وجل - من شاء ليست جبراً، وهداية الله - عز وجل - من شاء سبحانه وتعالى ليست جبراً.

وإنما العبد عنده آلات، خوطب بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبراً لصارت التكاليف -بعث الرسل، إنزال الكتب، الأمر والنهي، الجهاد- لكان كل ذلك عبثاً.

والله - عز وجل - منزّه عن العبث؛ لأنَّ العبث سلب الحكمة وشر والله - عز وجل - الشر ليس إليه، لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته - عز وجل - {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:17 - 18].

فالله سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عن العبث.

يُضلِ ْجبراً ويسلب العبد الاختيار بالمرة ثم يُحَاسبه ويُنْزِل عليه الكتب ويرسل الرسل ويأمره بالتكاليف كيف يكون ذلك؟

يكون كالغريق الذي يقال له: (2) إياك أن تبتل بالماء.

: [[الشريط التاسع عشر]]:

وهذا العياذ بالله هو حقيقة قول الجبرية الذين قال قائلهم:

ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له ****** إيّاكَ إيّاك أن تبتلّ بالماء

وهذا يُنَزَهُ عنه الحكيم الخبير - جل جلاله -.

فمن عَرَفَ صفات الله - عز وجل - وعَلِمَ حكمته، فإنَّ القول بالجبر في حقيقة الأمر إبطال للتكاليف أو رجوع إلى أفعال الله - عز وجل - بأنها لعب ولا حكمة فيها ولا تُوافق غاياتٍ محمودة، والله - عز وجل - منزه عن ذلك.


(1) البخاري (6502)
(2) انتهى الشريط الثامن عشر.

[المسألة العاشرة]:
وهي في إثبات الأسباب، وأنَّ أفعال الله - عز وجل - مُعَلَّلَة، وأنَّ الله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لعِلَّة، ويأمر بالأمر لعلة.
وهذه العلة هي حكمته - عز وجل - لإيجاد ذلك الشّيء.
وهذا في الأمور الكونية وفي الأمور الشرعية.
فما أحْدَثَهٌ الله - عز وجل - في ملكوته أمْراً فَحَدَثْ فَلَهُ حِكْمَة - عز وجل - من إيجاده.
وما أَمَرَ الله - عز وجل - به في الشرع من الأحكام التشريعية أو نهى عنه فهو لعلة.
فالله سبحانه يأمر في الشرع بما مصلحته راجحة أو تامة، وينهى في الشرع عن ما مفسدته تامة أو راجحة.
فإذاً أهل السنة والجماعة يُثبتون التعليل في أفعال الله - عز وجل -، وأنّ أفعال الله سبحانه وتعالى الكونية وأوامره الكونية والشرعية كلّها مرتبطة بِحِكَمْ عظيمة كما قال سبحانه {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5].
إذا تبين ذلك ففي القرآن إثبات أفعال الله - عز وجل - مُعَلَّلَة، وتنزيه الله - عز وجل - عن أن يفعل الفعل لا لعلة كما قال سبحانه {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:16 - 18].
وقال أيضاً - عز وجل - للسموات والأرض {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ} [الدخان:39]، وقال - عز وجل - {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62]، وفي الأشياء الشرعية -الأوامر والنواهي- الأدلة على التعليل كثيرة جدّاً جداً.
المقصود من هذا أنَّ الله سبحانه وتعالى إذا كانت أفعاله مُعَلَّلَة، فأفعاله - عز وجل - لم يفعلها في مخلوقاته مباشرة دون وسائط؛ بل جَعَلَ الله - عز وجل - إيصال الفعل إلى نهايته مَنُوطَاً بأسباب، وكلُّ سَبَبٍ يُحدِثُ مُسَبَّبَاً.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير