تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المسائل التي أخذت مني وقتا فسيحا وجهدا بليغا منزلة الولاية بين نصوص الشريعة وفهم السلف الصالح وتصورات الفرق الصوفية والكلامية.

لذلك سأحاول أن أدندن في هذه الكلمة المتواضعة حول هذه المنزلة العظيمة من منازل السير إلى الله، هذه المنزلة التي تتوقها النفوس وتشرئب إليها أعناق الصالحين.

إنها منزلة إيمانية تقرب العبد من الله وتجعله يعيش في كنفه وملكوته سبحانه وتعالى، فما من عبد إلا ويسعى في تحصيلها وما من سالك إلا ويصبو للترقي في مدارجها، إنها منزلة الولاية وما أدراك ما الولاية.

الله سبحانه وتعالى خلق العبد على الفطرة والفطرة تقتضي أن يكون كل واحد منا وليا لله، {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، لكن عندما تنتكس الفطرة وتتمرد النفس والعياذ بالله تحيد عن دين الله وتزيغ القلوب عن منهج الله صراط الله المستقيم، فتضيع وجهة الطريق الموصلة لنيل المنازل العالية والدرجات الرفيعة عند الله جل وعلا.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: {مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ} البخاري ومسلم.

فهذا الحديث الشريف إذا تأملناه من وجهة وجدانية بعيدا عن تأويلات أئمة الإسلام واختلافهم في مقتضى مدلول الفطرة وما يترتب عليها من أحكام عقدية وفقهية، يمكن القول أن الدين هو الأصل الطيب الذي تتفرع منه معالم الولاية التي يستطيع العبد أن يرتقي من خلالها إلى السماء، فتجده يسبح في فضاءاتها الجميلة و يغترف من مواجيدها الجليلة، تحوله تدريجيا من العلائق الترابية إلى مخلوق سماوي ينافس العالم الملائكي في السماء.

قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (محنة البشر أنهم مكلفون بالإرتقاء إلى الملأ الأعلى، على حين أنهم خلقوا من حمأ مسنون) "فن الذكر والدعاء".

وقطعا أن هذا الإرتقاء لا يحصل بالجسد وإنما هو سفر قلبي ومعراج روحي من الأرض إلى السماء.

لذلك تستحق الولاية أن تكون أشرف منازل العبودية وأصدقها لأنها ترفع العبد إلى شهود العبودية، أي أن العبد يدخل باب الأنس بالله فيجد لأعماله الصالحة لذة السير.

فمن هو الولي وما الولاية؟ لأن في تحقيق هذا المعنى وتحرير ماهيته إحقاق للحق وإزهاق للباطل ولعل السبب في ذلك غياب المفهوم الأصيل للولاية كما ورد في الكتاب والسنة وبحسب ما فهمه السلف الصالح، لأنه ترسخ عند كثير من الناس أن الولي: ذاك الشيخ الذي يتمتم بأحزابه ويتمايل بأوراده، قد تدلت السبحة من جيده وتزينت بها يده، يمدها إلى المريدين ويعكفون عليها ساجدين تمسحا وتقبيلا.

وآخرون يتصورون أن الولي هو ذاك المجذوب متسكع على قارعة الطريق أو قابعا في ركن زاوية أو ضريح حافي القدمين، رث الثياب، طويل الشعر، وربما رأوا عرافاً يتفوه بمغيبات يلبس عليهم مستنصرا بأوليائه من الشياطين فيعتقدون أن هذا الحال نتاج للكرامات المفضية للولاية، وقد غاب عنهم حقيقة الكرامة ومتى يعطاها الإنسان ولماذا، مما فتح الباب أمام الدجالين والسحرة والمشعوذين وأدعياء الكرامة لإستغلال جهل الناس وسداجتهم.

ومنهم من حصر الولاية في قبور الصالحين وأن عليها المدار ظنا منهم أن أولياء الله يتفاوتون في المراتب. فمنهم أوتاد ومنهم أنجاب ومنهم أقطاب ومنهم أغواث.

و أن لهم ما يريدون، وأنهم يقولون للشيء كن فيكون، وأنهم يخرجون من القبور لقضاء الحاجات، وإنهم في قبورهم يأكلون ويشربون وينكحون، إلى أمور أخرى عجيبة تمجها الأسماع، وتقذفها الأفهام، وينكرها من لديه بالشرع أدنى اطلاع أو إلمام.

وهكذا قامت في أذهان الجهال من الناس مملكة هرمية وهمية من الأقطاب والأبدال والأوتاد، بهم تقوم الأرض والسماء وبهم تقضي الحوائج هم أولياء الله.

وصار كل من ينكر هذا الانحراف في أفهامهم أو يحاول تقويمه اتهموه بأنه عدو للأولياء وأنه يجحد قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس 62]. "أنظر: أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي لعبد الرحمن دمشقية بتصرف"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير