تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله: " ما فرق ". فيها: ثلاث روايات:" فرَقُ "، بفتح الراء، وضم القاف." فرَّق "، بفتح الراء مشددة وفتح القاف." فرَقَ "، بفتح الراء مخففة، وفتح القاف.فعلى رواية " فرق " تكون " ما " استفهامية مبتدأ، و" فرق ": خبر المبتدأ أي: ما خوف هؤلاء من إثبات الصفة التي تليت عليهم وبلغتهم، لماذا لا يثبتونها لله عز وجل كما أثبتها الله لنفسه وأثبتا له رسوله؟ وهذا ينصب تماماً على أهل التعطيل والتحريف الذين ينكرون الصفات، فما الذي يخوفهم من إثباتها والله تعالى قد أثبتها لنفسه؟

وعلي رواية " فرق " أو " فرق " تكون فعلاً ماضياً بمعني ما فرقهم، كقوله تعالى: {وقرآناً فرقناه} [الإسراء: 106]، أي: فرقناه. و" ما " يحتمل أن تكون نافية، والمعنى: ما فرق هؤلاء بين الحق والباطل، فجعلوا هذا من المتشابه وأنكروه ولم يحملوه على المحكم، ويحتمل أن تكون استفهامية والمعني: أي شيء فرقهم فجعلهم يؤمنون بالمحكم ويهلكون عند المتشابه؟

قوله: " يجدون رقة عند محكمة ". الرقة: اللين والقبول، و " محكمه "، أي: محكم القرآن. قوله: " ويهلكون عند متشابه ". أي: متشابه القرآن.

والمحكم الذي اتضح معناه وتبين، والمتشابه هو الذي يخفي معناه، فلا يعلمه الناس، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه، وأما إذا ذكر المحكم مفرداً دون المتشابه، فمعناه المتقن الذي ليس فيه خلل: لا كذب في أخباره، ولا جور في أحكامه، قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} [الأنعام: 115]، وقد ذكر الله الإحكام في القرآن دون المتشابه، وذلك مثل قوله تعالى: {تلك آيات الكتاب الحكيم} [يونس: 1]، وقال تعالى: {كتاب أحكمت آياته} [هود: 1].

وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في جودته وكماله، ويصدق بعضه بعضاً ولا يتناقض، قال تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني} [الزمر: 23]، والتشابه نوعان: تشابه نسبي، وتشابه مطلق.

والفرق بينهما: أن المطلق يخفى على كل أحد، والنسبي يخفي على أحد دون أحد، وبناء على هذا التقسيم ينبني الوقف في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} [آل عمران: 7] فعلى الوقوف على (إلا الله) يكون المراد بالمتشابه المطلق، وعلى الوصل (إلا الله والراسخون في العلم) يكون المراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وللسلف في ذلك قولان:

القول الأول: الوقف على (إلا الله)، وعليه أكثر السلف، وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل كيفية وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة وعذاب النار، قال الله تعالى في نعيم الجنة: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17]، أي: لا تعلم حقائق ذلك، ولذلك قال ابن عباس: " ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء ".

والقول الثاني: الوصل، فيقرأ: (إلا الله والراسخون في العلم)، وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وهذا يعلمه الراسخون في العلم ويكون عند غيرهم متشابهاً، ولهذا يروي عن ابن عباس، أنه قال: " أنا من الراسخين في العلم الذي يعلمون تأويله " (1). ولم يقل هذا مدحاً لنفسه أو ثناء عليها، ولكن ليعلم الناس أنه ليس في كتاب الله شيء لا يعرف معناه، فالقرآن معانيه بينة، لكن بعض القرآن يشتبه على ناس دون آخرين حتى العلماء الراسخون في العلم يختلفون في معنى القرآن، وهذا يدل على أنه خفي على بعضهم، والصواب بلا شك مع أحدهم إذا كان اختلافهم اختلاف تضاد لا تنوع، أما إذا كانت الآية تحتمل المعنيين جميعاً بلا منافاة ولا مرجح لأحدهما، فإنها تحمل عليهما جميعاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير