تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: تركيب الماهية من الذات والصفات، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتا مجردة عن كل وصف، لا يبصر ولا يسمع ولا يعلم ولا يقدر ولا يريد ولا حياة له ولا مشيئة ولا وصفة أصلا، فكل ذات في المخلوقات خير من هذه الذات، فاستفدت بهذا التركيب كفرك بالله وجحدك لذاته ولصفاته وأفعاله.

الثالث: تركيب الماهية الجسمية من الهيولى والصورة كما يقوله الفلاسفة.

الرابع: التركيب من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام.

الخامس: تركيب الماهية من أجزاء كانت متفرقة فاجتمعت وتركبت ().

ثانيا: قولكم:" كل مركب مفتقر إلى جزئه" إن عني به أنه مستلزم لجزئه, وأنه لا يوجد إلا بوجود جزئه, فهذا صحيح؛ فإن وجود المجموع بدون كل من آحاده ممتنع.

وإن أريد أنه يفتقر إليه افتقار المفعول إلى فاعله, والمعلول إلى علته الفاعلة أو القابلة أو الغائية أو الصورية, فهذا باطل, فإن الواحد من العشرة, والجزء من الجملة, لا يجوز أن يكون فاعلا, ولا غاية, ولا هي هو الصورة.

ثالثا: قولكم: " وجزؤه غيره" يقال لفظ الغير يراد به ما كان مباينا للشيء, وما يجوز مفارقته له, وما ليس إياه.

فإن أردتم أن جزء المجموع ما هو مباين له, فهذا باطل, فإنه يمتنع أن يكون مباينا له مع كونه جزءا منه, فيمتنع أن يكون غيرا له بهذا الاعتبار.

وإن قلتم يجوز أن يفارقه, فهذا ليس عام على الإطلاق, بل يجوز في بعض الأفراد أن يفارق غيره من الأجزاء, ويفارق المجموع الذي هو الهيئة الاجتماعية, ولا يلزم ذلك في كل مجموع, لا سيما على أصل الفلاسفة, فإن الفلك عندهم مركب من أجزائه وصفاته, ولا يجوز عندهم على أجزائه التفرق.

والمسلمون وجمهور العقلاء عندهم أن الله حي, عليم, قدير, ولا يجوز أن يفارقه كونه حيا, عالما, قادرا, بل لم يزل ولا يزال كذلك, وكونه حيا, عالما, قادرا, من لوازم ذاته, وهي ملازمة لذاته, لا يجوز عليه الافتراق بوجه من الوجوه, فامتنع أن تكون صفاته هذه أغيارا بهذا الاعتبار.

وإن فسر الغيران بما ليس احدهما هو الآخر, أو بما يجوز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر, فلا ريب أن صفة الموصوف التي يمكن معرفتها بدونه غير له بهذا الاعتبار, لكن إذا كانت تلك الصفة لازمة له, وهو لازم لها, لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون أحدهما مفتقرا إلى الآخر, مفعولا للآخر, ولا علة فاعلة, ولا غائية, ولا صورية, أكثر ما في ذلك أن تكون الصفة مفتقرة إلى الذات افتقار الحال إلى محله القابل له, وهم يسمون القابل علة قابلة, لكن فيما يحدث لها من المقبولات, لا فيما يكون لازما لها أزلا وأبدا, وإن قدر أنهم يسمون جميع ذلك علة, ومعلولا, فتكون الذات علة قابلة للصفة بهذا الاعتبار, وكون الصفة معلولة هو معنى كونها صفة قائمة بالموصوف ()

الوجه الثاني: أن الذات المتصفة بصفات لازمة لها, التي لها حقيقة تمتاز بها عن سائر الحقائق, وتباين غيرها من الموجودات, من غير أن يجوز عليها تفريق, وتبعيض, وتجزئة, وتقسيم, فهذه لو قدر أنها مخلوقة, لم تكن مما يسمى مركبا في اللغة المعروفة والاصطلاح.

وإذا سمى مُسمٍّ هذه مركبا, كان: إما غالطا في عقله لاعتقاده اشتمالها على حقيقتين: وجودها, وحقيقتها المغايرة لوجودها, أو على حقيقتين: ذات قائمة بنفسها معقولة مستغنية عن صفاتها, وصفات زائدة عليها قائمة بها, أو على جواهر منفردة أو معقولة, أو نحو ذلك من الأمور التي يثبتها طائفة من الناس, ويسمونها تركيبا.

وجمهور العقلاء يخالفونهم في إثبات ذلك, فضلا عن تسميته تركيبا, ولو سلم لهم ثبوت ما يدعونه, لم تكن تسميته مركبا من اللغة المعروفة, بل هو وضع اصطلحوا عليه, فإن الجسم الذي له صفات كالتفاحة التي لها لون وطعم وريح لا يعرف في اللغة المعروفة إطلاق كونها مركبة من لونها وطعمها وريحها, ولا تسمية ذلك أجزاء لها.

ولا يعرف في اللغة أن يقال: إن الإنسان مركب من الطول, والعرض, والعمق, بل ولا أنه مركب من حياته, ونطقه, إلى أمثال ذلك من الأمور التي يسميها من يسميها من أهل الفلسفة والكلام تركيبا: إما غلطا في المعقولات, وإما اصطلاحا انفردوا به عن أهل اللغات.

فليس لهؤلاء أن ينفوا ما علم ثبوته بالشرع. ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير