وقال: " فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " والتحريم في هذا الحديث يأتي على قسمين:
1 ــ تحريم دخول وهذا يكون لمن حقق التوحيد أو غفر الله له فدخل الجنة ابتداءا
2 ــ تحريم خلود وهذا يكون لمن دخل النار من أهل الكبائر فإنه كما هو معلوم لا يخلد في النار أبدا.
إذا كان ذلك كذلك فبم يجاب عن الأدلة الواردة في قاتل المؤمن عمدا والمنتحر؟
الجواب كما يلي:
ينبغي أن يعلم قبل كل شيء أنه إذا أتت عشرات أو مئات النصوص مقررة لأمر ما، عُلم أن هذا مراد للشارع تماما، وأنه أصل ينبغي السير عليه والتمسك به، فإذا أتى نص أو نصين يخالفان هذا الأصل الذي دلت عليه فما العمل حينئذ؟ هل يهدم هذا الأصل الذي دلت عليه عشرات النصوص لأجل هذا النص أم أنه يبحث عن مخرج سائغ لهذا النص؟ لا شك أنه الثاني، ولعلي أضرب مثالا:
الكل يعلم أنه قد تقرر في عشرات النصوص عدم جواز الحلف بغير الله تعالى وأن ذلك محرم، وهذا لا شك أنه أصل أصيل وركن ركين، فإذا جاء قول النبي: " أفلح وأبيه إن صدق " فهل نهدم هذا الأصل ونجوز الحلف بغير الله لنص أتى مخالفا لعشرات النصوص التي انضبطت صحتها؟ قطعا لا، بل نبحث عن مخرج سائغ لهذا الحديث، وليس هذا موطن الحديث عن هذا، إنما سقته لضرب المثال، وكلام العلماء فيه معلوم فليرجع إليه.
إذا تقرر هذا فيقال:
1 ــ أما بالنسبة لقاتل المؤمن عمدا فقال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها "
ففي الآية ذكر الله الخلود في النار بسبب القتل، وكما سبق فالخلود لا يكون إلا من كفر، والقتل ليس بكفر.
أجاب العلماء بعدة أجوبة منها:
أ ــ أن المقصود بالآية من استحل قتل المؤمن، وهذا ضعيف، لأن مستحل قتل المؤمن كافر وإن لم يقتل
ب ـ المقصود بالآية أن هذا جزاؤه إن جازاه، وهذا ضعيف لأن الإشكال باقٍ حال مجازاته.
جـ ـ أن كل حكم لا ينفذ إلا إذا استكمل شروطه وانتفت موانعه، ومن موانع الخلود في النار التوحيد، فالموحد لا يخلد في النار أبدا كما سبق. وهذا جيد لكن التالي أجود منه.
د ـ أن الخلود يطلق في اللغة ويراد به المكث الطويل، وهو المقصود في الآية بدليل أن الله ذكر الخلود دون أن يقرنه بالتأبيد وهذا بين واضح لمن تأمله، وهذا القول أحسنها وأجودها، وعليه تحمل الآية.
2 ـ و أما بالنسبة لقاتل نفسه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يجأ بها بطنه خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن تردى في جبل فإنه يتردى في جهنم خالداً مخلداً فيها "
فيقال هذا الحديث فيه أحد توجيهين ليزول الإشكال:
1 ـ أن التخليد في النار محمول على من استحل الانتحار، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه أن الطفيل بن عمرو الدوسي لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: مالي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر.
جمعا بين هذا وذاك: يحمل الأول على المستحل، واستحلال ما علم تحريمه من الدين بالضرورة كفر، وسبق أن الخلود لا يكون إلا بكفر، وأما حديث الطفيل فيدل على أن قتل المسلم نفسه لا يكون كفرا، ولذلك لا تخليد في النار أبدا، وبهذا يزول الإشكال.
2 ـ أن لفظة خالدا مخلدا فيها أبدا متكلم فيها، وليرجع لكلام الترمذي رحمه الله في جامعه.
والله تعالى أجل وأعلم.
وهذا رابط الموضوع:
http://www.dawq.com/vb/showthread.php?postid=76#post76
ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[09 - 07 - 04, 01:46 ص]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن امتنع من الصلاة على أحدهم ــ أي الغال والقاتل والمدين ــ زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما.
وشيخ الإسلام أبان أنه يجوز الدعاء له، والأحاديث التي ذكرها الإخوة يعلمها شيخ الإسلام قطعا. فتأمل.
والنبي عندما ترك الصلاة على من قتل نفسه لم ينه الصحابة عن أن يصلوا عليه، وقال فيمن عليه دين: صلوا على صاحبكم.
كذا المجاهر بالكبيرة قد يمتنع أهل الفضل والعلم عن الصلاة عليه زجراً لأمثاله عن مثل فعله، ومعلوم أنه مسلم قطعا، فليتنبه.
فلا بد مع الفقه من الاتباع، هذه نصيحتي.
والله الموفق.
¥