هل المُغَمّس من الأماكن المنهي عن الجلوس بها
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[29 - 06 - 04, 11:09 ص]ـ
من المشهور في السيرة أن إبرهة الحبشي ومن معه نزلوا بالمغمس فوقع عليهم العذاب بالطير الأبابيل كما أخبر تعالى عنهم بقوله (
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)
وقد ورد في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
النهي عن الدخول في مساكن الذين ظلموا أنفسهم
فالمغمس قد وقع بها عذاب الله لأصحاب الفيل بإرسال الطير الأبابيل
ولكنها لم تكن مسكنا من مساكن الذين ظلموا أنفسهم وإنما نزلوا بها
وقد سمعت من البعض أن المغمس يشملها النهي الوارد في الأحاديث التي تنهى عن دخول ديار المعذبين ويستدل بما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع
قوله: "فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر".
ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرك ناقته حين بلغ محسراً فيسرع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيه، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
ومحسر بطن واد عظيم سُمي بذلك؛ لأنه يحسر سالكه، أي: يعيقه، لأن الوادي الذي هو مجرى السيل يكون في الغالب رملياً ويعيق سالكه؛ ولهذا سمي مُحسِّراً، وبهذا نعرف أن بين المشاعر أودية. فبين المشعر الحرام والمشعر الحلال واد، وهو وادي عرنة، وبين المشعرين الحرامين منى ومزدلفة واد، وهو وادي محسر.
واختلف العلماء في سبب الإسراع،
فقال بعضهم: أسرع؛ لأن بطن الوادي يكون ليناً يحتاج أن يحرك الإنسان بعيره؛ لأن مشي البعير على الأرض الصلبة، أسرع من مشيه على الأرض الرخوة، فحرك من أجل أن يتساوى سيرها في الأرض الصلبة وسيرها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحظ هنا هو مصلحة السير فقط.
وقيل: أسرع؛ لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، فينبغي أن يسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مر بأراضي العذاب أن يسرع، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم: حين مر بديار ثمود في غزوة تبوك زجر الناقة - عليه الصلاة والسلام - وقنّع رأسه وأسرع،
وبعض الناس يتخذ اليوم هذه الأماكن أعني ديار ثمود سياحة ونزهة - والعياذ بالله - مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيها، وقال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم"، ففي عملهم خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا دخل على هؤلاء بهذه الصفة فقلبه يكون غير لين خاشع، فيكون قاسياً مع مشاهدته آثار العذاب، وحينئذٍ يصيبه ما أصابهم من التكذيب والتولي، هذا معنى الحديث، وليس المراد أن يصيبكم العذاب الرجز الحسي، فقد يراد به العذاب والرجز المعنوي، وهو أن يقسو قلب الإنسان، فيكذب بالخبر، ويتولى عن الأمر.
والذين يذهبون إلى النزهة أو للتفرج، الظاهر أنهم للضحك أقرب منهم للبكاء، فنسأل الله لنا ولهم العبرة والهداية.
وتعليل إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم في وادي محسر بذلك؛ فيه نظر لأن أصحاب الفيل لم يهلكوا هنا،
بل في مكان يقال له المُغَمَّسُ حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي: حبس الفيل بالمُغَمَّسِ حتى ظل يحبو كأنه مكسور
وقال بعض العلماء: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم. فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة وفي الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقرب التعاليل، ولهذا قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]، ثم قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (البقرة:200)}.
http://www.binothaimeen.com/modules.php?name=Newss&file=article&sid=4615
¥