[رواية أهل بيت الراوي عنه]
ـ[أبو المسور المصري]ــــــــ[14 - 07 - 04, 03:43 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى اللع عليه وسلم، أما بعد
فهذه نبذة موجزة عن رواية أهل بيت الراوي عنه، أسأل الله أن ينفع بها
[رواية أهل بيت الراوي عنه]
من المعلوم أن رواية أهل بيت الراوي عنه، مقدمة على رواية غيرهم، إن حدث التعارض، ولم يمكن الجمع، وإن كانوا، في الجملة، أوثق منه، وإن كان الأمر ليس على إطلاقه، بل يخضع للقرائن والمرجحات المعتبرة عند النقاد، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
¨ حديث: (الطهور شطر الإيمان…)، الحديث، وهو أول حديث في كتاب الطهارة، في صحيح مسلم، رحمه الله، وقد رواه عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وقد فصل الشيخ سعد الحميد، حفظه الله، الكلام فيه، فأجاد ووفى، فقال ما ملخصه:
إن هذا الحديث روي من طريق معاوية بن سلام (أخو زيد بن سلام)، عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، فزاد معاوية في الإسناد: (عبد الرحمن بن غنم).
وهنا حدث الخلاف بين النقاد في الترجيح بين هاتين الروايتين:
§ فقد حدث الخلاف في سماع يحيى بن أبي كثير من زيد بن سلام، فقد نفاه ابن معين رحمه الله، وأثبته أحمد رحمه الله، ورجح الشيخ السعد حفظه الله، قول أحمد، لأن ظاهر السند يؤيده، حيث جاء في سياق الإسناد: (أن زيدا حدثه "أي يحيى بن أبي كثير").
§ وحدث الخلاف في ترجيح أحد الطريقين على الآخر، حيث رجح ابن عمار الشهيد والدارقطني رحمهما الله، طريق معاوية عن أخيه، وبالتالي انتقدا هذا الحديث على مسلم رحمه الله، لأنه أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير، وهو الطريق المرجوح عندهما، فقال ابن عمار رحمه الله: ومعاوية كان أعلم عندنا بحديث أخيه من يحيى بن أبي كثير. اهـ، فرجح ابن عمار طريق معاوية، تبعا للقاعدة محل الدراسة، حيث أنه كان ألصق بأخيه من يحيى رحمه الله، وظاهر صنيع ابن رجب رحمه الله، يؤيد رأي ابن عمار والدارقطني، وكذا رجح رأيهما ابن القطان رحمه الله في "بيان الوهم والإيهام"، وسبق هؤلاء جميعا، في إبراز هذه العلة "أي في طريق مسلم رحمه الله"، النسائي رحمه الله، في عمل اليوم والليلة.
§ وتصدى النووي رحمه الله، للدفاع عن طريق مسلم، فقال بأنه يحتمل أن أبا سلام رحمه الله، رواه بإسنادين، ورد ذكر عبد الرحمن بن غنم في أحدهما، ولم يرد في الآخر، وهذا الدفاع من النووي رحمه الله، سار فيه على طريقة الفقهاء في نقد الأحاديث، كما يظهر جليا من ردوده على الإنتقادات لأحاديث مسلم، وهي في معظمها ردود محتملة، لا يمكن القطع بها، ولذا استدرك الحافظ ابن حجر، رحمه الله، عليه جملة من هذه الردود، لأنها لا توافق منهج النقاد من أئمة الحديث، ولكنه في هذا الموضع، جنح إلى ما جنح إليه النووي رحمه الله، واعتمد طريق مسلم في "النكت"، والله أعلم.
§ وجدير بالذكر، أن عبد الرحمن بن غنم (الراوي الزائد في طريق معاوية بن سلام)، قد رجح البعض أن له صحبة، ورجح البعض الآخر أنه من ثقات التابعين وعليه فلا إشكال في كلا الطريقين.
§ وخلاصة القول في هذا الحديث:
أن من اعتبر الحفظ والإتقان (كما يظهر من صنيع مسلم رحمه الله)، رجح طريق يحيى بن أبي كثير، لأنه أثبت من معاوية بن سلام، ومن اعتبر رواية أهل بيت الراوي عنه، رجح رواية معاوية بن سلام، وعليه، فإن القرابة، ليست هي المرجح الوحيد، في هذا النوع من الخلاف، وإنما هي أحد المرجحات التي يعتمد عليها عند تعذر الجمع بين الروايات.
¨ حديث: (لانكاح إلا بولي):
حيث رجح البخاري رحمه الله، الرواية الموصولة من طريق إسرائيل عن جده أبي إسحاق على رواية سفيان وشعبة المرسلة عن أبي إسرائيل، مع أن سفيان وشعبة، أرجح من إسرائيل، وقال: (زيادة الثقة مقبولة)، وهي المقولة التي تمسك بها من يرى قبول زيادة الثقة مطلقا، ولم يلتفت إلى القرائن الأخرى المرجحة لرواية إسرائيل رحمه الله ومن أهمها:
§ أولا: أنه قد تابع إسرائيل على زيادته تمام العشرة، ومنهم شريك وقيس بن الربيع.
§ ثانيا: (وهو المتعلق بهذه المسألة) أن إسرائيل، أحفظ الناس لحديث جده أبي إسحاق السبيعي، الذي يروي عنه هذا الحديث لطول ملازمته له، وقد أثر عن إسرائيل أنه قال: أحفظ حديث جدي كما أحفظ سورة الحمد، حتى أن شعبة رحمه الله، قد زكى رواية إسرائيل عن جده، رغم أن إسرائيل لم يأخذ من جده إلا بعد التغير، لأنه كان قائده بعدما عمي.
§ أن سفيان وشعبة، أخذا الحديث عن أبي إسحاق، عرضا، فقد عرضاه عليه مرسلا، ولم يسمعاه منه كذلك، وقد عرف عن المتقدمين أنهم لم يكونوا على نفس درجة حرص المتأخرين في ذكر سياق السند متصلا، خلافا لإسرائيل الذي سمع هذا الحديث من جده موصولا، والسماع أعلى من العرض.
¨ رواية حماد بن سلمة رحمه الله، عن ثابت البناني:
فحماد رحمه الله، متكلم في حفظه، ولعل البخاري أعرض عن الإحتجاج به لهذا السبب، ولكنه في نفس الوقت أثبت الناس في ثابت البناني رحمه الله، ويليه سليمان بن المغيرة فحماد بن زيد، كما ذكر ذلك الشيخ السعد حفظه الله، وذلك لأنه ربيب ثابت، ولذا فقد كان من ألزم الناس له، وعليه احتج به مسلم رحمه الله في ثابت فقط.
¨ رواية غندر رحمه الله عن شعبة:
فغندر (محمد بن جعفر) رحمه الله، متكلم في حفظه، ورغم ذلك فكتابه عن شعبة، مقدم عند التعارض، كما قرر ذلك ابن المبارك رحمه الله (وهو أحد الرواة عن شعبة)، حيث قال: إذا اختلف الناس في شعبة فكتاب غندر حكم بينهم، والسبب في ذلك أنه كان ربيب شعبة، فاستفاد من طول ملازمته له.
وخلاصة القول في هذه المسألة، أن رواية أهل بيت الراوي عنه، من المرجحات القوية، عند التعارض وتعذر الترجيح، ولكنها ليست المرجح الوحيد الذي يعول عليه، فقد ترجح رواية غيرهم على روايتهم، لقرائن أخرى، والله أعلم.