قوله: «ويوتر المتهجد بعده». «بعده» أي: بعد تهجُّده، أي: إذا كان الإنسان يحبُّ أنْ يتهجَّدَ بعد التراويح في آخر الليل، فلا يُوتر مع الإمام؛ لأنه لو أوتر مع الإِمام خالف أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً»، وعلى هذا يوتر بعد تهجُّده، فإذا قام الإمام ليوتر ينصرف هو، ولا يوتر معه، هذا ما ذهب إليه المؤلِّفُ.
وقال بعض العلماء: بل يوتر مع الإمام ولا يتهجَّد بعده؛ لأن الصَّحابة لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفِّلَهم بقيَّة ليلتهم قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» وفي هذا إشارة إلى أن الأَولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام؛ لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام، ويصلُّوا بعده في آخر الليل؛ وذلك لأنه يحصُل له قيام الليل كأنه قامه فعلاً، فيكتب له أجر العمل مع راحته، وهذه نِعمة.
قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» يعني: إذا تابع المتهجِّدُ إمامه فصلَّى معه الوتر أتمّه شفعاً، فأضاف إليه ركعة، وهذا هو الطريق الآخر للمتهجِّد؛ فيتابعُ إمامَهُ في الوِتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وِتراً. فإذاً يتابع الإمام، فإذا سَلَّم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسَلَّم، فيكون صَلَّى ركعتين، أي: لم يُوتر، فإذا تهجَّد في آخر الليل أوتر بعد التهجُّد، فيحصُل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف، ويحصُل له أيضاً أن يجعل آخر صلاته بالليل وِتراً، وهذا عمل طيب.
فإن قال قائل: مِن أين لكم أنَّه يجوزُ أنْ يخالفَ المأمومُ إمامَه بالزِّيادة على ما صَلَّى إمامُه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به»؟
قلنا: دليلنا على هذا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا كان يُصلِّي بأهل مَكَّة في غزوة الفتح كان يُصلِّي بهم ركعتين، ويقول: «يا أهلَ مكَّةَ، أتِمُّوا، فإنَّا قومٌ سَفْرٌ» فكانوا ينوون الأربع وهو ينوي ركعتين، فإذا سَلَّم مِنَ الرَّكعتين قاموا فأكملوا، وهذا الذي دَخَلَ مع إمامِهِ في الوِتر لم ينوِ الوِتر، وإنما نوى الشَّفعَ، فإذا سَلَّمَ إمامُهُ قامَ فأتى بالرَّكعة، وهذا قياسٌ واضحٌ لا إشكال فيه.
فإنْ قال قائل: ألا يخالفُ هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قامَ مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتبَ له قيامُ ليلةٍ»
قلنا: لا يخالفه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: مَنْ قامَ مع الإمام فانصرفَ معه كُتب له قيامُ ليلةٍ، بل جَعل غاية القيام حتى ينصرفَ الإمامُ، ومَنْ زاد على إمامه بعد سلامِهِ فقد قامَ معه حتى انصرفَ.
أخي أبو صفوان الفرضي أمل أن يتسع صدرك للمدارسة وإبداء الملحوظات
قلت إلا أننا ارتأيت أن أطرحه مرة أخرى كي يثرى علميا بعيدا عن الأجوبة "المعلبة". أقول وبالله التوفيق:
هناك ملحوظة على قولك إننا حيث يقولها المعظم لنفسه
ماهي الأجوبة المعلبة التي وصفت للفائدة
ـ[أبو صفوان الفرضي]ــــــــ[19 - 10 - 04, 01:57 م]ـ
بارك الله فيك أخي على مداخلتك وحسن جوابك.
بالنسبة لكلمة أننا، فهذا خطأ كتابي فقط صدر مني قرب موعد الافطار (ابتسامة). و لو كان هناك لفظا يُستعمل للتعبير عن الذات أحطٌ من أنني لاستعملته. فالرجاء عدم مؤاخذتي على هذه الزلة.
أما فيما يخص جوابك، فأظن الكل متفق على ما ذكرته. الذي يؤرقني هو أن طائفة عندنا تحاول حمل الناس على عدم الانصراف بعد التراويح بحجة مخالفة السنة. فلماذا لا تتسع صدورنا للرأي الآخر خاصة إذا كان كلا الرأيان مبنيين على إجتهادات العلماء؟
لذلك سألت: هل أوتر النبي بأصحابه؟ وهل هناك نص صريحا نحمل به قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى ينصرف الإمام على الانصراف من الوتر -زيادة على فحوى كلامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حديث ابي ذر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - لا الانصراف من الصلاة المكتوبة؟
بارك الله فيك.