[أبو الحسن الأشعري ومدى صحة الاعتماد عليه في نقل مذهب أهل السنة: دعوة للمشاركة]
ـ[أبو عبد الباري]ــــــــ[23 - 11 - 04, 06:47 م]ـ
الحمد لله رحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد،،،
لقد وقفت على بعض الأوهام في نقل مذاهب أهل السنة والجماعة عند الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين، فأرجو المشاركة بالبحث والتوجيه، فمما رأيت:
المثال الأول: قال في المقالات (1/ 347) في حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: ويقولون: أسماء الله هي الله اهـ، وأما في الإبانة فقال (ص 54): وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا اهـ.
وهذا الذي نقله في المقالات هو أحد طرفي المسألة، وذلك أن من قال: أسماء الله غير الله هكذا بالاطلاق فهو مبتدع وهذا صحيح وهو ما قاله في الإبانة، ولكن يبقى ما هو مذهب أهل السنة؟ هناك قولان أحدهما ما حكاه عن أهل السنة في المقالات ولم يذكر غيره، والثاني: أسماء الله: لله، لا يقال هي الله ولا غير الله، فأيهما قول أهل السنة؟
القول الأول الذي حكاه عنهم الأشعري هو قول طائفة من أهل السنة، وهو مذهب اللالكائي والبغوي في آخرين و القرطبي وأبي عبيدة معمر بن المثنى وهو أحد قولي الأشاعرة واختاره ابن فورك.
والقول الثاني هو الذي عليه جماهير أهل السنة وفي مقدمتهم الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم وهو الصواب.
فأنت ترى أن الأشعري هنا لم يذكر عن أهل السنة إلا أضعف القولين، وأقلهما أنصارا عند أهل السنة.
المثال الثاني: وقال فيه (1/ 349): ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى ... اهـ وأما في الإبانة فلم يذكر كفر الساحر فقال (ص 62): ونؤمن بأن في الدنيا سحرا وسحرة، وأن السحر كائن موجود في الدنيا اهـ.
كذا قال، وقضية الكلام اتفاق أهل السنة والحديث على كفر الساحر، و ليس كذلك وإن كان أكثر العلماء على كفر الساحر كما قال ابن تيمية في الفتاوى (29/ 384)، لكنه ليس موضع اتفاق على هذا الاطلاق، فقد ذهب الشافعي في آخرين: أن الساحر لا يقتل ما لم يكن سحره عند الوصف شركا، حكاه البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 276): قال الشافعي في الكتاب بعد ما بسط الكلام في أنواع السحر وأمر عمر أن يقتل السحار - والله أعلم -: إن كان السحر كما وصفنا شركا اهـ.
ونقله غير واحد من الحنابلة رواية عن الإمام أحمد في أنه لا يقتل الساحر المسلم، وهو قول ابن المنذر كما في المغني لابن قدامة (10/ 115 مع الشرح الكبير)، وقد قيل إن عدم تكفير الساحر المترتب على عدم قتله مذهب عثمان وعائشة كما حكاه ابن حزم بأسانيده في المحلى (11/ 395 - 398) والبيهقي في بعض ذلك في المعرفة (6/ 276)، ولعله لهذه النكتة لم يذكر الأشعري كفر الساحر في الإبانة وهو متأخر عن المقالات والله أعلم.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[23 - 11 - 04, 10:33 م]ـ
من مذاكرتي لبعض أهل التخصص المتمكنين، أفادوا بأن أبا الحسن لديه توسع في حكاية بعض عبارت أئمة السنة،وحكاية اعتقادهم في بعض الأبواب ... وهو وإن كان يعبر كثيرا عن اعتقاد أحمد بن حنبل إلا أن في عبارته توسع،ولعل من أسباب ذلك بقايا الاعتقاد السابق قبل أن يتوب من بدعته،ويرجع إلى مذهب أهل السنة ... رحمه الله.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[24 - 11 - 04, 06:44 ص]ـ
لعل في هذا النقل بيان لما تريد
قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل 7/ 35:
ومن الناس من له خبرة بالعقليات المأخوذة عن الجهمية، وغيرهم، وقد شاركهم في بعض أصولها، ورأى ما في قولهم من مخالفة الأمور المشهورة عند أهل السنة: كمسألة القرآن، والرؤية، فإنه قد اشتهر عند العامة، والخاصة أن مذهب السلف، وأهل السنة، والحديث: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، فأراد هؤلاء أن يجمعوا بين نصر ما اشتهر عند أهل السنة، والحديث، وبين موافقة الجهمية في تلك الأصول العقلية التي ظنها صحيحة، ولم يكن لهم من الخبرة المفصلة بالقرآن، ومعانيه، والحديث، وأقوال الصحابة ما لأئمة السنة، والحديث، فذهب مذهبا مركبا من هذا، وهذا، وكلا الطائفتين ينسبه إلى التناقض وهذه طريقة الأشعري، وأئمة أتباعه كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأمثالهما، ولهذا تجد أفضل هؤلاء كالأشعري يذكر مذهب أهل السنة، والحديث على وجه الإجمال، ويحكيه بحسب ما يظنه لازما، ويقول: إنه يقول بكل ما قالوه، وإذا ذكر مقالات أهل الكلام من المعتزلة، وغيرهم حكاها حكاية خبير بها عالم بتفصيلها، وهؤلاء كلامهم نافع في معرفة تناقض المعتزلة، وغيرهم، ومعرفة فساد أقوالهم.
وأما في معرفة ما جاء به الرسول، وما كان عليه الصحابة، والتابعون، فمعرفتهم بذلك قاصرة، و إلا فمن كان عالما بالآثار، وما جاء عن الرسول، وعن الصحابة، والتابعين من غير حسن ظن بما يناقض ذلك لم يدخل مع هؤلاء، إما لأنه علم من حيث الجملة أن أهل البدع المخالفين لذلك مخالفون للرسول قطعا، وقد علم أنه من خالف الرسول فهو ضال، كأكثر أهل الحديث، أو علم مع ذلك فساد أقوال أولئك وتناقضها كما علم أئمة السنة من ذلك ما لا يعلمه غيرهم كمالك .. الخ
¥