[سؤال للمحدثين (حول عمل الإمام أحمد بالحديث الضعيف)]
ـ[طالب علوم الحديث]ــــــــ[12 - 11 - 04, 10:20 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ماذا تقولون للذين يقولون إن الامام أحمد بن حنبل يقدم الحديث الضعيف على الرأي، هل المقصود هو الحديث الضعيف عموما أم أن له شروط في ذلك أي نوع معين من الضعيف؟
أفيدونا في المسألة جزاكم الله خيرا ....
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[13 - 11 - 04, 11:14 م]ـ
الحمد لله نسترفده العون والتأييد. ونسأله التوفيق للقول السديد. وبعد.
فقد اشتهر هذا القول عن الإمام أحمد، واستفاض، وشاع، حتى قال الحافظ الحجة ابن القيم فى ((إعلام الموقعين)) (1/ 31): ((الأصل الرابع الذى بنى عليه فتاويه: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس. وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، والعمل به؛ بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى: صحيح، وحسن، وضعيف؛ بل إلى صحيح وضعيف. وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس)).
ثم ذكر موافقيه من الأئمة على العمل بهذا الأصل، فقال: ((وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس. فقدَّم أبو حنيفة حديث ((القهقهة في الصلاة)) على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه. وقدَّم حديث ((الوضوء بنبيذ التمر)) على القياس، وأكثر أهل الحديث يضعِّفه. وقدَّم حديث ((أكثر الحيض عشرة أيام))، وهو ضعيف بإتفاقهم على محض القياس، فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مساو في الحد والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر. وقدَّم حديث ((لا مهر أقل من عشرة دراهم))، وأجمعوا على ضعفه، بل بطلانه، على محض القياس، فإنَّ بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع، فما تراضيا عليه جاز، قليلا كان أو كثيراً.
وقدَّم الشافعي خبر ((تحريم صيد وج)) مع ضعفه على القياس. وقدَّم خبر ((جواز الصلاة بمكة في وقت النهي)) مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد. وقدَّم في أحد قوليه حديث ((من قاء أو رعف فليتوضأ، وليبن على صلاته)) على القياس مع ضعف الخبر وإرساله. وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل، والمنقطع، والبلاغات، وقول الصحابى على القياس)) اهـ.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية فى ((منهاج السنة)): ((وأما نحن، فقولنا: إن الحديث الضعيف خير من الرأي، ليس المراد به الضعيف المتروك، لكن المراد به الحسن، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث إبراهيم الهجري وأمثالهما، ممن يحسن الترمذي أحاديثهم. فالحديث إما صحيح وإما ضعيف، والضعيف نوعان: ضعيف متروك، وضعيف ليس بمتروك. فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح، فجاء من لم يعرف إلا اصطلاح الترمذي، فسمع قول بعض الأئمة: الحديث الضعيف أحب إلى من القياس، فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي، وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح، وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه، إن لم يكن دونه)) اهـ.
وهذا الذى ذكره الحافظ ابن القيم فى غاية البيان والدلالة على المقصود، وقد دفع الملام عن إمام الأئمة الأعلام، بذكر موافقيه على هذا الأصل من أصول مذهبه. ثم زاده شيخ الإسلام إيضاحاً بذكر خطأ من ظنَّ أنه أراد بالضعيف ما كان على اصطلاح الترمذى، ومن نحا نحوه.
إلا أنه قد يفهم من كلامهما أن المراد بالضعيف الذى قدَّمه على الرأى؛ هو الحسن لذاته دون ما عداه، وإنما المراد عند التحقيق ثلاثة أقسام:
(أولها) الحسن لذاته الذى لا يفتقر إلى جابر ولا عاضد، وهذا أقوى الثلاث وأمثلها.
(ثانيها) الحسن لغيره الذى ينجبر بما يشد أزره ويقويه ويعضده.
(ثالثها) الضعيف الذى لم يشتد ضعفه حتى يطابق الموضوع والمتروك.
فإن قيل: فهل جاء عن الإمام أحمد ما يتأيد به إرادته بالضعيف لهذه الأقسام الثلاثة؟، قلنا: فأما الأول والثانى فأظهر من أن يستدل لهما، سيما وقد وقع التمثيل لهما آنفاً، لذا فلنقتصر على ذكر الضعيف الذى لم يشتد ضعفه حتى يلتحق بالمتروك، ولم ينجبر حتى يلتحق بالحسن، وذلك بما قال أبو عبد الله مهنا بن يحيى: قال أحمد: الناس كلهم أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح، فقيل له: تأخذ بحديث ((كل الناس أكفاء إلا حائكاً أو حجاماً)) وأنت تضعِّفه؟، فقال: إنما نضعِّف إسناده، ولكن العمل عليه. وبما ذكره الخلال فى ((الجامع)) من حديث ابن عباسٍ فى كفارة وطء الحائض، قال: كأن الإمام أحمد أحبَّ أن لا يترك الحديث، وإن كان مضطرباً، لأن مذهبه فى الأحاديث إذا كانت مضطربة، ولم يكن لها مخالف قال بها.
وفى التمثيل للمراد من قوله ((الضعيف عندنا أحب من الرأى)) على مسائل الفقه مزيد بيان ليس ذا موضعه.
والله الموفق للصواب، والحمد لله أولاً وآخراً.
¥