تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا قرنت هذا الموطن في سورة آل عمران مع آيات سورة الأنفال التي نزلت في غزوة بدر؛ وهي قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وَأَطِيعُواْ اللّه وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ".

إذا قرنتهما، تبين لك دقة الاتفاق والارتباط بين الآيات، وأن التوجيه الرباني للمؤمنين -في التحذير من الذنوب العامة والخاصة- بدأ منذ بدايات الجهاد في سبيل الله تعالى، وأنه تنوّع وأخذ أساليب شتّى:

فهو في غزوة بدر جاء بصيغة الخطاب المباشر، وفي غزوة أحدٍ جاء بصيغة العتاب، وضرْبِ المثل بالسابقين، والمقام ليس مقام مقارنة بين الموضعين -مع أهميته-؛ فهو يحتاج إلى مقالة مستقلة.

ولما فرغ إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام من بناء البيت الحرام، رفعا ذلك الدعاء الذي يفيض ابتهالاً وتضرعاً، فقالا: "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [البقرة: 127 - 128]، وشاهد الآية في آخرها، ولابن جرير -رحمه الله- تعليق لطيف عليها يحسن الرجوع إليه.

وفي قصة السبعين رجلاً الذين اختارهم موسى عليه الصلاة والسلام -لما أخذتهم الرجفة- قال موسى مقولة العالم بربه، الخائف من تقصيره: "رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ". فهذه توجعات سادات الأولياء والصالحين، وتألهات المخبتين في جميع الأمم، وهذه هجيرا العارفين بعظيم ما لله تعالى عليهم من عظيم الحق، وجزيل المنن.

وقضية استغفار العاملين، ليست خاصة بميدان الجهاد في سبيل الله -مع ما يلاقيه المجاهد في سبيل الله من الشدائد المكفرة للذنوب-؛ بل هي قضية تتكرر في مواطن أخرى من مواطن العمل الصالح، يُلْحَظُ هذا جلياً في بعض أركان الإسلام ودعائمه العظام:

ففي الصلاة -التي هي أعظم الأعمال- شُرع للمسلم أن يستغفر ثلاثاً - كما صحت به السنة الصحيحة الصريحة، وأشار القرآن إليه بقوله: "فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ... " الآية.

وبعد نفير الحجاج من عرفة ومزدلفة إلى منى، أمروا بالاستغفار: "ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) "

وها نحن نودع شهر رمضان، بعد ما يسرّ الله تعالى فيه بعض الأعمال الصالحة، فهل نستشعر عظيم منة الله علينا بما وفقنا إليه من صالح العمل؟! وهل نحن خائفون وجلون من تقصيرنا وتفريطنا في حقه سبحانه؟!

إن هذا الشعور ينبغي أن يكون شأن المتعامل مع ربه بعبادة خاصة، أو متعدية النفع -في كل زمان ومكان- يرى المنة لربه بتوفيقه للعمل الصالح، ويشعر -لما لله عليه من الحق العظيم- أنه بحاجة إلى الاستغفار من تقصيره في حق ربه ومولاه، وتبرئه من حوله وقوته، وخوفه من حظوظ النفس، وغير ذلك من العوارض المؤثرة في قبول العمل، أو نقص بركته.

هذه إشارات سريعة إلى هذه اللفتة القرآنية الجليلة، وهي تحتاج تفصيلاً أكثر من ذلك، "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ... وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، ووفقنا لتدبر كتابك، والعمل به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

===============================================

المصدر: موقع (الإسلام اليوم)

http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?catid=40&artid=4493

===============================================

واقتراحي للشيخ المفيد عمر المقبل أن يزيد هذا الدرس النافع استقصاء، وأن يجود بما حباه الله من فقه، وتدبر، وقد ألمح في أثناء المقال إلى إمكان ذلك.

ـ[عمر المقبل]ــــــــ[21 - 11 - 04, 09:49 م]ـ

أشكر لك أبا تميم تواضعك بنقل هذه المقالة إلى (إيوان المحدثين وملتقاهم) ..

ووالله إن فرحي بهذا التواصل بين طلاب العلم،ومحبة الخير لبعضهم البعض لهو أكبر بكثييييييير من فرحي بما أرجوه من أجر وثواب على نشر هذه المقالة .. اللهم فاغفر لعبدك أبي تميم،واجمعني به في دار كرامتك.

وبخصوص اقتراحك ـ أيا تميم ـ فهو محل تقدير،والاستقصاء ليس عسيراً بفضل الله،ولكن مقالة كهذه إن طالت منعت من قراءتها،وهذا ما لا أريده،والغرض منها قد يتحقق فيما ذُكِرْ .. والحديث عن تدبر القرآن حديث لا تمله نفسٌ مؤمنة .. واللهَ تعالى أسأل أن يفتح علي وعليكم من خزائن فضله وجوده،وألا يحرمنا بركته والانتفاع به بسبب ذنوبنا ...

ووالله لا أشكو ـ مع عملي في الرسالة ـ إلا من ضيق الوقت .. حتى إن لأفزع إلى مثل هذا الإيوان (الملتقى الحديثي) لأجم نفسي من كلل البحث (الملزم)،أعان الله عليه بخير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير