أما الأولى: فمن حيث كونُه مركباً إضافياً؛ إذ إنه مكونٌ من كلمتين:
? الأولى: كلمة " مقاصد "، وهي جَمْعُ: مَقْصَد، والمقصد: مصدرٌ مِيْمِي مُشْتَقّ من (قصد)، ومن معاني قَصَدَ: الاعتماد والأَمّ – بفتح الهمزة مع تشديد الميم -، تقول: قصد الحجاج البيت الحرام، إذا أَمّوا تلك الجهة واعتمدوها. يقول ابن فارس: ((كأنه قيل ذلك: لأنه لم يُحَدْ عنه)) ().
وهذا المعنى للقصد جعلَه ابن جِنِّي المعنى الأصلي لمادة قصد ().
? والثانية: كلمة " الشريعة "؛ حيث إنها في اللغة: مَوْرِدُ الشَّارِبة الماء، كذا قال أئمة اللسان ().
وللشريعة معنى في الاصطلاح، وهو: ما سنَّه الله من الأحكام، وأنزله على نبي من أنبيائه، وبنحوه جزم التّهانوي في: ((كشاف اصطلاحات الفنون)) ().
وإيضاحُهُ: أن قوله " ما سنه " يعني: الطريقة الكائنة، وقوله "الأحكام": أي: جميع الأحكام، كبرى وصغرى، في التوحيد وغيره.
• وَلْيُعْلَم أن للشريعة إطلاقين، أولُهما: إطلاقٌ عام، يتعلق بجميع
الأحكام، سواءٌ أكانت متعلقة بفروع الدين أم بأصوله، وبهذا جزم التِّهَانوي في: ((كشاف اصطلاحات الفنون)) (). والثاني: إطلاق خاص، يتعلق بالأحكام الفرعية العملية في الشرع.
والثاني هو المشهور عند المتأخرين، وبه جزم الكفوي في: ((الكليات)) ().
وأما الثانية: من حيث كونه لَقَباً على علم مُعَيَّن.
اختلفت عبارات أهل العلم في ذلك، وأَوْلاها أن يقال: هو علم يعنى بالغايات التي رعاها الشارع في التشريع.
وإيضاحه من جانبين:
أما الأول: فببيان مفرداته؛
حيث إن كلمة " يعنى " من (العناية) والمعنى: الاهتمام بالشيء. وكلمة " بالغايات " واحدها غاية، وهي ما يُهْدَف إليه. وكلمة " الشارع " اسم فاعل من شرع، ويقصد به: الله ورسله ?. وكلمة " في التشريع ": أي في الشرع المُشَرَّع، والشرع المُشَرَّع مسائله نوعان: نوع يتعلَّق بالتوحيد وما إليه، ونوع يتعلق بغير التوحيد كالأخلاق والسلوك، وفروع الفقه. وهي نوعان من جهة أخرى؛ فنوع يتعلق بمصالح العباد في معاشهم، ونوع يتعلق بمصالح العباد في معادهم، وكذلك يقال في الغايات؛ فمنها غايات تتعلق بمصالح العباد في الدنيا؛ كحفظ المال، ومنها غايات تتعلق بمصالحهم في الآخرة؛ كحفظ الدِّيْن.
وأما الثاني: فبالتمثيل عليه؛
وذلك بـ (تحريم ومَنْع كل مُتْلِفٍ للعقل أو مُفْسِدِه)، كتحريم كل مسكر من الخمر وغيره. فغاية المنع في هذا المثال: حفظ العقل، وهذا ظاهر؛ فحفظ العقل من مقاصد الشريعة.
? ? ?
الفصل الثاني: في تاريخ مقاصد الشريعة
كانت (مقاصد الشريعة) ظاهرة في بعض نصوص الكتاب والسنة، وفتاوى وعمل الفقهاء، دون تدوين لذلك في كتاب. لكن لما انْقَلَبَتْ العلوم صناعة، وصُنِّفت المصنفات؛ أُظهر: (علم مقاصد الشريعة)، ومَرَّ بمراحل ثلاث:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة بداية ونَشْأ:
وتتمثل هذه المرحلة بما قام به الأصوليون من إظهار بعض مباحث ومسائل مقاصد الشريعة في ثنايا تآليفهم، ومن أبرز أولئك: أبو المعالي الجويني – رحمه الله– في كتابه: ((البرهان))، وأبو حامد الغَزَّالي – رحمه الله – في كتابه: ((المستصفى)) و ((شفاء الغليل)).
ولهذه المرحلة مَيْزتان:
* أما الأولى: فإظهار بعض مباحث علم المقاصد ومسائله.
* وأما الثانية: فعدم الإسهاب في مباحث علم المقاصد بياناً وتحقيقاً.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة تَحَوُّل:
فيها إِظهارُ أصول مقاصد الشريعة، وقواعدَ كلية تتعلق بذلك، وتتمثل بما قام به العز بن عبد السلام – رحمه الله – في كتابه: ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)) و ((القواعد الصُّغْرى)).
قال عنه ابن السبكي: ((شيخ الإسلام والمسلمين، وأحد الأئمة الأعلام، وسلطان العلماء، إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمقاصدها، ولم يَرَ مثل نفسه، ولا رأى من رآه مثله: علماً وورعاً وقياماً بالحق وشجاعة وقُوَّة جنان وسلاطة لسان)) ().
ولهذه المرحلة مَيْزتان:
* أما الأولى: فإظهار أصول المقاصد إظهاراً بَيِّناً واضحاً.
¥