* وأما الثانية: فالمجيء بمباحث وقواعد في: (المقاصد) لم تُذْكَر من قبل.
وَصْلٌ: اعتنى الإمام القَرَافي المالكي رحمه الله بتحرير وتهذيب ما قرَّره شيخه العز بن عبد السلام رحمه الله، وذلك في منثور كتبه، خاصة: ((الفروق)) و ((النفائس)) و ((شرح تنقيح الفصول)). وكان ملازماً لشيخه العز رحمه الله نحواً من عشرين سنة. قال السيوطي رحمه الله: ((ولازم الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي، وأخذ عنه أكثر فنونه)) ().
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الاكتمال والنضج:
وتتمثل بما قام به الإمام الشاطبي – يرحمه الله - في كتابه: ((الموافقات))؛ حيث جمع مسائل هذا العلم، وأصَّل قواعده، وحَقَّق مباحثه، حتى قيل: ((هو مخترع علم المقاصد)).
ولهذه المرحلة ميزتان:
* أما الأولى: فاكْتِمال (علم المقاصد) في جملة مسائله مع تأصيل.
* وأما الثانية: فإظهار (مقاصد الشريعة) كعلم مُسْتَقِل.
وإنما كانت عناية الإمام الشاطبي – يرحمه الله – بـ (المقاصد) لعلل، منها عِلَّتان مهمتان:
أما الأولى: فلاِعتناء شيخه المَقَّرِي – بفتح الميم مع تشديد القاف وفتحها– بمقاصد الشريعة في دروسه ومجالسه ()، فحَرَّك ذلك في الإمام الشاطبي – رحمه الله – الباعث على الاعتناء بعلم (المقاصد).
والإمام أبو عبد الله محمد القرشي المقَّرِي المالكي من العلماء الكبار، قال عنه التمبكتي: ((الإمام، العلامة، النظّار، المحقق، القدوة، الحجة، أحد مجتهدي المذهب، وأكابر فحوله المتأخرين الأثبات)) ().
وأما الثانية: فالمذهب المالكي؛ إذ إن من أصوله: مراعاة المصالح، وله في ذلك القِدْح المُعَلَّى، فحرك ذلك عناية الإمام الشاطبي – رحمه الله – بالمصالح التي هي لُبُّ علم المقاصد، مع وجود المَلَكَة التامَّة عند الإمام الشاطبي – رحمه الله – في المذهب المالكي، والقوة في علم العربية.
وَصْلٌ: الشاطبي هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللَّخْمِي ()، والمُتوفَّى سنة (790هـ). قال عنه التنبكتي: ((الإمام، العلامة، المحقق، القدوة، الحافظ الجليل، المجتهد. كان أصولياً مفسراً فقيهاً محدثاً، لغوياً بيانياً، نَظَّاراً، تَبْتاً إماماً مطلقاً، بحَّاثاً مدقِّقاً، جَدَلِيّاً بارعاً في العلوم، من أفراد العلماء المحققين الأثبات، وأكابر الأئمة المتفننين الثقات)). وقال: ((اجتهد وبرع وفاق الأكابر، والتحق بكبار الأئمة في العلوم، وبالغ في التحقيق)) ().
وكتابه: ((الموافقات)) المُسَمَّى مِن قبلُ بـ ((عنوان التعريف بأسرار التكليف)) انفرد به، ولم يُسْبق إليه، قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: ((والرجل الفذ الذي أفرد هذا الفن بالتدوين: هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي)) (). وقال رشيد رضا – البغدادي الأصل – رحمه الله: ((لولا أن هذا الكتاب أُلِّف في عصر ضَعْف العلم والدين في المسلمين: لكان مبدأ نهضة جديدة لإِحياء السُّنّة، وإصلاح شؤون الأخلاق والاجتماع، ولكان المصنف بهذا الكتاب– يعني: ((الاعتصام)) – وبصِنْوه كتاب: ((الموافقات)) – الذي لم يَسْبق إلى مثله سابق أيضاً – من أعظم المجددين في الإسلام، فمثله كمثل الحكيم الاجتماعي: عبد الرحمن بن خلدون، كل منهما جاء بما لم يُسْبق إلى مثله، ولم تنتفع الأمة – كما كان يجب – بعلمه. كتاب: ((الموافقات)) لا نِدَّ له في بابه (أصول الفقه، وحكم الشريعة وأسرارها). وكتاب: ((الاعتصام)) لا نِدّ له في بابه، فهو مُمْتع مُشْبِع، وإن لم يُتمَّه المصنف رحمه الله تعالى)) ().
فائدة:
ألّف مفتي تونس الأكبر العلامة محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – كتاباً في علم المقاصد سماه: ((مقاصد الشريعة الإسلامية))، حاول فيه أن يُلخِّص كلام من سبقه في علم المقاصد مع تحقيق، وأن يأتي بجديد، ولكنه في الجملة لم يخرج عما قرره السابقون في أصول (المقاصد)، ولكنه حقق وهذَّب ورتَّب، وجملة أمثلته في باب المعاملات.
? ? ?
الفصل الثالث: في فوائد مقاصد الشريعة
اعلم – رحمك الله – أن لمقاصد الشريعة فوائد كثيرة، إلا أن جِماعها أربع فوائد كبرى:
¥