(وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)
دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إلا الله دون المسيح فإن قوله (كنت أنت) يدل على الحصر كقوله إن كان هذا هو الحق، ونحو ذلك.
فعلم أن المسيح بعد توفيته ليس رقيبا على أتباعه بل الله هو الرقيب المطلع عليهم المحصي أعمالهم المجازي عليها والمسيح ليس برقيب فلا يطلع على أعمالهم ولا يحصيها ولا يجازيهم بها) انتهى.
ـ[زكريا أبو مسلم]ــــــــ[03 - 02 - 05, 12:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الشيخ زياد أوصلنا إلى بيت القصيد, والشيخ عبد الرحمن أوصلنا إلى ركن القصيد بارك الله فيكم وأحسن إليكم أجمعين ونفع بكم ..
أخي الشيخ عبد الرحمن حفظه الله ..
توجيهكم لكلام ابن حزم حول فهم الآية توجيه دقيق سديد إن توفّر فيه شرط واحد! وهو ترادف معنى الوفاة والرفع عند ابن حزم! , فلو كان الأمر كذلك لصحّ توجيهكم ويكون بذلك ابن حزم موافقا لشيخ الإسلام ابن تيمية وموافقا لنا في مفهوم الوفاة والرفع! , لكن للأسف ليس الأمر كذلك, فإن الوفاة والرفع عند ابن حزم متغايران, فالوفاة الذي هو الحالة التي تعتري جسد المسيح (سواء كان نوما أم موتا) هو غير الرفع الذي هو الانتقال الجسدي للمسيح من الأرض إلى السماء, وتأمل قوله:فتوفاه ثم رفعه, وعلى هذا فقوله فلما توفيتني بغض النظر عن الرفع إن كان معناه في الدنيا قبل الرفع لم يصر شهيدا عليهم فهذا يقتضي تفسير هذه الوفاة بكونها الموت لا غير وهو ظاهر كلام ابن حزم, وإن كان معناه وفاة الموت عند نزوله يوم القيامة فهذا يستلزم أنه لا يزال شهيدا عليهم الآن وإلى يوم الدين! فتوجيهكم لكلام ابن حزم يصير إشكالا !!
وإلى هذا الخلط بين الرفع والوفاة أشار مترجم كتاب الجواب الصحيح القسيس ميشال توماس, واتكأ بكلام ابن حزم هذا ليوقع الشبهة في كلام شيخ الاسلام الذي هو بحمد الله كالشمس في وضوحه, ودلّس بنظرية الإغماء بتعريف ابن حزم والتي كما ذكر أنها دامت ثلاثة أيام ثم رفعه الله إليه, إذ النصارى متفقون أن المسيح رفعه الله إليه, لكن بعد ثلاثة أيام من موته, فإذا أثبت أن الوفاة حصلت قبل الرفع -سواء تلقاها البعض بكونها نوما أو موتا- فقد حصل له مراده من إثبات عقيدته المسيحية.
ثم انظر إلى كلام شيخ الإسلام تجد التباين الواضح بينه وبين كلام ابن حزم, إذ الوفاة والرفع عند شيخ الاسلام متقاربان كما نقلتم عنهم مشكورين.
والذي أدين الله تعالى به أن لفظ الوفاة هو وفاة القبض والاستيفاء لوجوه:
أولا: قوله تعالى:" وما قتلوه يقينًا بل رفعه الله إليه" فالرفع هنا مقابل نفي القتل والصلب, والتلازم بين المثبت والمنفي ضروري وإلا لصار قول الله تعالى من غير معنى وهو مستحيل على الله تعالى, فما أُثبِت بعد "بل" لا بدّ أن يكون مضادّا لما نُفِي وهو القتل والصلب, ولا يكون هنا إلا الرفع والقبض إلى السماء.
ثانيا:" في قوله تعالى أيضا:" وما قتلوه يقينًا" دليل على انتفاء أيّ شبهة للموت, ومعلوم أن النّوم من جنس الموت بدليل آية الزمر, ولو حصل النّوم لكان هناك حصول شبهة وهو ينافي اليقين المذكور في الآية, فإن قيل: قد يتضمن وجود اليقين مع احتمال النوم, قلتُ إنما حدّدنا اليقين بما سبق في الآية من قوله:" مالهم به من علم إلا اتباع الظن", ولو كان المسيح نائما وظنوه مات لما عوتبوا باتباعهم الظن لأنهم ليسوا مأمورين بعلم الغيب, فتبيّن انتفاء النوم من أجل انتفاء الظنّ ولوازمه وإثبات اليقين الذي هو الرفع.
ثالثا: قوله تعالى على لسان المسيح عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام:"وكنتُ عليهم شهيدًَا ما دمتُ فيهم فلما توفّيتني كنتَ أنت الرقيبَ عليهم" يجري عليها ما يجري على ما ذكرناه في الوجه الأول, فقوله توفيتني تشير إلى تغيّر من الحالة الأولى وهي كونه موجود بينهم, ومقتضاها أي وكنت فيهم شهيدا, فلما رفعتني من بينهم كنت أنت الرقيب عليهم" ولو كان معنى الوفاة هو النوم لكان سياق الآية وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما نمت كنت أنت الرقيب عليهم, وهو باطل, فتأمل, فدل أن معنى الوفاة هنا هو الرفع والقبض.
يبقى الإشكال في توجيه كلام ابن حزم في ذكر وفاة الموت قبل الرفع.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[04 - 02 - 05, 08:15 ص]ـ
الشيخ زكريا حفظه الله ورعاه
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفعنا بعلمكم، والقصد مما سبق هو توجيه كلام ابن حزم رحمه الله حول استدلاله بالآية فقط بقوله (فلما توفيتني) فاستدلاله في هذا متجه كما سبق على أن المقصود بالآية هو الموت ولايوافق على أن المقصود بها قبل الرافع، ويمكن الاستئناس في هذا بما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
فهذا الحديث يرجح معنى الوفاة في الآية بمعنى الموت.
أما استمرار شهادة عيسى عليه السلام عليهم في آخر الزمان عند نزوله فما المانع من ذلك وخاصة أنه ذِكر للساعة وأنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير و يقيم التوحيد ويتبعه الناس عند نزوله، فهو في هذه الحالة ما يقول إلا ما امره الله به أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت.
ولكن كما تفضلت حفظك الله يبقى الإشكال في قول ابن حزم بالوفاة (الموت) قبل الرفع، وهذا لايوافق عليه ابن حزم رحمه الله لدلالة النصوص الأخرى على خلاف ذلك.
¥