10 - وقال: (شرط العمل بالحديث الضعيف الداخل تحت العمومات ألا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات مثاله الصلاة في ليلة أول جمعة من رجب لم يصح فيها الحديث ولاحسن، فمن أراد فعلها إدراجا لها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة لم يستقم لأنه قد صح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه نهى ان تخص ليلة الجمعة بقيام).
11 - (جواز ادراجه تحت العمومات نريد به الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشئ المخصوص بهيئته الخاصة لأن الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة يحتاج الى دليل شرعي عليه ولا بد، بخلاف ما أذا فعل على انه من جملة الخيرات).
قلت: وهذا مهم اذ ان كثيرمن الناس والمنتسبين الى العلم الشريف اذا سئل عن عبادة مخصوصة في زمن مخصوص لم يكتفى بالقول بالجواز في احسن الاحوال بل نقل ذلك الى الاستحباب، فتدرج الحال بالناس في الابتداع الى اختراع الهيئات المخصوصة الزمانية والمكانية في التعبدات.
فاستحباب الاصل (العام) يدل على جواز الخاص في احسن الاحوال، لا استحبابه ولاشك ان استحبابه على الهيئة المخصوصة او في زمان مخصوص من جملة البدع المضاهية للطريقة الشرعية.
ثم قال الشيخ رحمه الله: (ولعل مثال ذلك ما ورد في رفع اليدين في القنوت، فأنه قد صح رفع اليدين في الدعاء مطلقا، فقال بعض الفقهاء يرفع اليد في القنوت، لانه دعاء فيندرج تحت الدليل المقتضى لاستحباب رفع اليدين في الدعاء، وقال غيره: يكره. لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد و التوقف والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها).
12 - (لست أعنى بالجهل هنا عدم العلم بالحكم، بل إما هذا وإما أن يكون عبارة عن فعل ما لايسوغ، وإن كان العلم بالحكم موجودا، لأنه قد يقال في هذا انه جهل ويقال لفاعله: جاهل والسبب فيه أن الشئ قد ينفى لانتفاء ثمرته والمقصود منه فيقال: فلان ليس بإنسان إذا لم يفعل الافعال المناسبة للانسانية ولما كان المقصود من العلم العمل به جاز أن يقال لمن لايعمل بعمله: أنه جاهل غير عالم).
13 - (وأعلم ان أكثر هذه الاحكام قد تدور بين أعتبار المعنى واتباع اللفظ، ولكن ينبغى أن ينظر في المعنى الى الظهور و الخفاء فحيث يظهر ظهورا كثيرا فلا بأس باتباعه وتخصيص النص به أو تعميمه على قواعد القياسين وحيث يخفى او لايظهر ظهورا قويا فاتباع اللفظ اولى).
قلت وهذا كلام مهم وهو التوسط بين الاخذ بالمعنى واتباع اللفظ فأن بعض أهل الرأى وكثير من العقلانين أسرفوا في جانب المعنى وتعللوا أن الشريعة مفهومة التكاليف معقولة المعاني وانها شرفت العقل وعظمته.
وبعض المنتسبين الى أهل الحديث وكثير من أهل الظاهر اسرفوا في جانب اللفظ وتركوا فقه المعاني واستنباط المقاصد.
وعندي في هذا قاعدة نافعة ان شاء الله تضبط لك أصول هذا الامر الجليل:
و أصل هذه القاعدة ان تنظر الى الخاص والعام.
فتنظر تحت عام المسألة فأذا كانت من جنس العبادات فهذا يقوى حانب اللفظ عندك واذا كانت من جنس المعاملات قوى جانب المعنى عندك.
ثم تنظر الى خاص المسألة فأذا كانت في خصوصها مقصودة لذاتها ويغلب على افرادها (ان كانت مركبة) جانب التعبد، فهذا يقوى اتباع اللفظ عندك ويضعف المعنى.
مثاله في الحج فأن العام فيها تعبدي لانها من جنس العبادات، وخاصها وهو افراد الحج اكثره تعبدي في الانساك وتفاصيلها غير معقول المعنى فأذا وقع الخلف في مسألة في الحج وصار فيها الناس فريقين فريق ابتع ظاهر اللفظ وفريق راجع المعنى ولم يكن ثم قرينة ظاهرة فكن مع تبّاع اللفظ.
وعكسه كمسألة بيع الحاضر للباد: فأن عامها غير تعبدي وخاصها في بعضه معقول المعنى كقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (دع الناس يرزق بعضهم بعضا) فأذا حار طرفك في تخصيص مسألة من مسائل هذا البيع بين اتباع لفظ او معنى كمسألة كون الطعام مما يحتاج الناس اليه (فهو تخصيص لعموم اللفظ). كان جناب هذا الالتفات الى المعنى اقوى لمعقول العام والخاص فيه. ولست اعنى هذه المسألة على وجه الخصوص فقد ينازع فيها وانما اعنى التمثيل والتقريب.
أما أذا كان العام معقول المعنى والخاص غير معقول فيقدم اتباع اللفظ لقوة الخاص (كأن تكون مسألة في المعاملات) او كان العام يغلب فيه عدم عقل المعنى و عقل المعنى في بعض الخاص (كأن تكون مسألة في العبادات) فيقدم فيه الخاص وهو معقولية المعنى.
يتبع بأذن الله ....
ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[10 - 02 - 05, 03:36 م]ـ
درر رائعة, جازاك الله الجنة, تابع أخي.
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[24 - 03 - 06, 01:12 ص]ـ
قال رحمه الله: (وهذا فيه قاعدة أصولية وهو أن الألفاظ العامة بوضع اللغة على ثلاث مراتب:
أحدها: ما ظهر فيه قصد التعميم ومثل له بحديث فيما سقت السماء العشر.
والثانية: ما ظهر فيه قصد التعميم، بإن أورد مبتدأ لا على سبب، لقصد تأسيس القواعد.
الثالثة: مالم تظهر فيه قرينة زائدة تدل على التعميم، ولاقرينة تدل على عدم التعميم).
وهذا كلام مهم ذكره ابن دقيق في غير موضع و أكد عليه وقد نقل العلامة الصنعاني بعض هذا الكلام في حاشيته على العدة فراجعه لزاما.
وقال رحمه الله: (ودلالة السياق لايقام عليها دليل). قلت: يقصد بها سياق الكلام وما يقتضيه اللفظ من معنى.
¥