تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من الفقير إلى ربه / حسن ابن الغربية العدل ببنزرت - وفقه الله / في 3 ربيع الثاني، وفي 23 جوان سنة 1355هـ - 1936م

______

الجواب

وقد أجاب فضيلة الأستاذ رحمه الله بما يأتي:

أمّا بعد فقد اطلعت في عدد 8780 من جريدة الزهرة الغرّاء على سؤال موجه إليّ من الفاضل ابننا الشيخ السيد حسن بن الغربية العدل بمدينة بنزرت عن حكم إذاعة القرآن الكريم بواسطة المذياع (الراديو) وعن حكم قارئ القرآن بمركز الإذاعة (الجهاز المذيع) وحكم استماع القرآن من تلك الآلة في الأماكن المشتملة على اللهو، أو على ما لا يليق شرعاً.

والجواب: أنّ سماع القرآن أمر مرغَّب فيه لقوله تعالى: (فاستمعوا له وأنصتو) وحُمِل الأمر عند المالكية والجمهور على النَّدْب، وعند الحنفية على الوجوب الكفائي، وذلك بناءاً على أنّ المراد بالقراءة في الآية القراءة في غير الصلاة، وهو أحد تأويلات كثيرة في الآية بين قريب وبعيد. وإذا كان القارئ حسن الصوت زادت قراءته السامع خشوعاً ورقّة قلب، وذلك مما يدعو إلى الخير. وأدلة ذلك كثيرة، أوضحها ما في «صحيح» البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وأبو موسى غير شاعر بذلك، وكان أبو موسى حسن الصوت، فقال له رسول الله من الغد: «لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داوود» فقال أبو موسى: لو علمتُ أنك تسمع إليّ يا رسول الله لحبَّرت قراءتي تحبيراً، أي لزدتها تحسيناً، وليس بنا أن نتعرّض ها هنا للخلاف في قراءة القرآن بالأصوات الحسنة التي لا تخرج عن أدب القرآن فإنّ الكلام في ذلك يطول. وليس من غرض السائل ولا جمهور المتطلّبين لمعرفة الحكم الشرعي في قراءة القرآن بطريق المذياع خاصة، بل نحن نبني الآن على ما جرى عليه عمل علماء المسلمين في سائر الأقطار من استحباب القراءة بالأصوات الحسنة غير المنافية لحروف القرآن وآدابه، جرياً على قول أئمة من أعلام المذهب المالكي مثل الإمام سحنون وعصرييه: موسى بن معاوية، وابن الرشيد، وابن اللّبّاد، وابن التبّان من أعيان القيروانيين، وهو مختار أعلام من الأندلسيين مثل ابن رشد، وابن العربي، وعياض، وهو قول الحنفية والشافعية، ولم تزل رغبة المسلمين متوفرة في سماع القرآن بأحسن وجوه آدابه لاسيما إذا كان القارئ من ذوي الأصوات الحسنة، وقد كان معظم الناس لا يجد إلى استقراء هؤلاء سبيلاً لاستدعاء ذلك كلفة مالية، فإذ قد يسّر الله للناس ما كان عسير الحصول بما ألهم إليه صاحب الاختراع الذي استعان بآثار مصنوعات الله فليحمدوا الله على ذلك. ثمّ إنّ لقراءة القرآن آداباً مرجعها إلى إجلال كلام الله وتوقيره والتأدب عند سماعه، ولذلك فلنتكلم على ما يعرض لهذا السماع من العوارض التي هي مثار جدال بين المانع والمجيز، ممن اختلفوا في هذه المسائل والخلف بين الناس غير عزيز. وينحصر الغرض في مبحثين:

المبحث الأول: في حكم تصدي القارئ للقرآن بمركز الإذاعة.

والمبحث الثاني: في حكم سماع السامعين قراءة القرآن من آلة الإذاعة.

فأمّا المبحث الأول فإنه يجوز للقارئ أن يتصدّى للقراءة في مركز الإذاعة لقصد سماع قراءته في جميع الجهات التي يكون لها اتصال مع مركزه، سواء أكان تصدّيه بأجر أم بدونه لأنّ الصحيح عندنا جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن، فإنّها من أسباب تكثير قرائه وسامعيه، ولا حاجة إلى التعرّض إلى شروط القراءة في القارئ ومكانه لأنّ ذلك لا يختص بالموضوع المبحوث فيه. وإذا تبيّن أنّ تصدِّيه للإذاعة بالقراءة مباح فلا ينقض حكم الإباحة ما عسى أن يبلغ مدى صوت القارئ إلى سامع يكون على حالة تجعله غير كامل الأهلية لسماع القرآن، أو إلى مكان غير لائق، بل يكفي في جواز فعله كون الغالب على قراءته أن ينتفع بها المسلمون على اختلاف مقاصدهم وقابليتهم ومبالغ نياتهم، فمراعاة الآداب في ذلك واجبة على السامعين، وليس القارئ بمسؤول عنها، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه المشركون، وقرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في مقام إبراهيم بمسمَع من المشركين، وقرأ أبو بكر رضي الله عنه بمسجده الذي اتخذه بباب داره في مكة، فكانت نساء المشركين وصبيانهم وعبيدهم يقفون عند مسجده يُعجَبون من رقة صوته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير