الْمَشْهُورِ: هُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ , مَعَ تَقْدِيمِهِ الْقَوْلَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ بِأَنَّهُ عَدْلٌ , مَقْبُولُ الْقَوْلِ وَالرِّوَايَةِ , غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالتَّقَوُّلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّ الْوَهْمَ وَالْغَلَطَ لِكُلِّ بَنِي آدَمَ مِنْهُ نَصِيبٌ , فَمَنْ أَظْهَرَ مِنْ السَّلَفِ تَثَبُّتًا فِي رِوَايَةٍ تَثَبَّتْنَا فِيهَا , وَاعْتَبَرْنَاهَا بِمَا وَصَفْنَا. فَإِنْ قِيلَ , قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: " يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي كُنْت امْرَأً مِسْكِينًا , أَصْحَبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي , وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ , وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ , وَإِنِّي شَهِدْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَهُوَ يَتَكَلَّمُ , فَقَالَ: {مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي , ثُمَّ يَقْبِضُهُ إلَيْهِ , وَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي , فَبَسَطْت بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ , حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ , فَقَبَضْتهَا , فَمَا نَسِيت شَيْئًا بَعْدَهُ} سَمِعْته مِنْهُ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ حَفِظَ مَا سَمِعَهُ , وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَلِذَلِكَ كَانَتْ رِوَايَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَاتِ غَيْرِهِ. قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ يَدُلُّ: عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَنْكَرُوا كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ وَأَمَّا حِفْظُهُ لِمَا كَانَ سَمِعَهُ حَتَّى لَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ هَذِهِ فَضِيلَةً لَهُ قَدْ اُخْتُصَّ بِهَا , وَفَازَ بِحَظِّهَا مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ , وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لَعَرَفُوا ذَلِكَ لَهُ , وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ أَمْرُهُ , حَتَّى كَانَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتُهُ , وَلَرَجَعَتْ الصَّحَابَةُ إلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ , وَلَقَدَّمُوهَا عَلَى رِوَايَاتِ غَيْرِهِ , لِامْتِنَاعِ جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ , وَجَوَازِهِ عَلَى غَيْرِهِ , وَلَكَانَ هَذَا التَّشْرِيفُ وَالتَّفْضِيلُ الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ مُتَوَارَثًا فِي أَعْقَابِهِ , كَمَا " خُصَّ جَعْفَرٌ بِأَنَّ لَهُ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ " وَخُصَّ " حَنْظَلَةَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْهُ ". فَلَمَّا وَجَدْنَا أَمْرَهُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بِضِدِّ ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ: عَلِمْنَا: أَنَّ مَا رَوَى: فِي أَنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ - غَلَطٌ. وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا أَخْبَرَ {لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ} ثُمَّ رَوَى {لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ}. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَيْت لَنَا عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ ذَلِكَ {لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ}. فَقَالَ: مَا رَوَيْته. وَلَا يَشُكُّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ نَسِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ , لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا صَحِيحَتَانِ عَنْهُ , وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّهُ بَسَطَ رِدَاءَهُ , ثُمَّ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا , كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَا سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً , دُونَ غَيْرِهِ , وَاَلَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ فِي رُتْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فِي الْفِقْهِ , وَالدِّرَايَةِ
¥