ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[10 - 04 - 05, 06:43 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي ابن خميس لا تبخس أحداً حقه, واعلم أني ما كتبت في مسألة إلا بعد أن قرأت كل المذاهب فيها غثها وسمينها, ثم خرجت الأحاديث التي احتج بها كل فريق, ثم أرجح على ما بدا لي, ثم أعرضها على من حولي من عالم ومتعلم, ولا أتفرد بشئ والله يعلم ذلك, وهو حسبي.
فأنت أخي لا تنفك تردد هذا البيت الذي هو من قصيدة لابن نباتة المصري.
فهنا حين نتكلم عن المفتي والفتوى, وبالله نستعين:
أقدم ما وصلنا من المصنفات في أحكام المفتي والمستفتي هو كتاب (أدب المفتي والمستفتي) لأبي القاسم الصَّيْمَرِي الفقيه الشافعي المتوفي 386 هـ، وهو من شيوخ القاضي أبي الحسن الماوردي صاحب الأحكام السلطانية (ت 450 هـ).
ثم تناول بعض أحكام المفتي والمستفتي كلا من: الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في كتابه (الفقيه والمتفقِّه)، وأبو عمر بن عبدالبر (ت 463 هـ) في كتابه (جامع بيان العلم).
وكعادته في جمع فوائد كتب المتقدمين جاء المحدِّث المشهور أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) وجمع الفوائد التي أوردها الصَّيْمَرِي والخطيب وابن عبدالبر في كتابه (أدب المفتي والمستفتي)، وإن كان جُلّ اعتماده على كتاب الصيمري، وزاد على مافي هذه الكتب الثلاثة المتقدمة من كلام الماوردي والجويني وغيرهما مع ترجيحه لبعض الآراء في بعض المواضع. وطبعة (أدب المفتي) لابن الصلاح التي ننقل عنها في هذا الباب مطبوعة بتحقيق الدكتور موفق بن عبدالله بن عبدالقادر، ط مكتبة العلوم والحِكمَ بالمدينة، وعالم الكتب، الطبعة الأولى 1407هـ.
وكما صار كتابُهُ (مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث) أساسا لكل من كتب بعده في هذا الفن، فتناولوه بالشرح تارة وبالاختصار تارة وبالنظم تارة أخرى. فكذلك صار كتابه (أدب المفتي والمستفتي) أساسا ً لكل من كتب بعده في هذا الفن، ولعل هذا من حُسْن نَّيتِهِ أن كَتَبَ الله تعالى لكُتَُبه القبول في المسلمين فيجري عليه مثل ثواب كل من انتفع بكتبه إلى يوم القيامة، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
وقد اعتمد على كتاب ابن الصلاح (أدب المفتي والمستفتي) ممن جاء بعده، كل من: ــ
1 ــ الإمام النووي (ت 676 هـ) حيث اختصر مسائل كتاب (أدب المفتي والمستفتي) لابن الصلاح، ولم يخرج عنها أو يخالفها إلا في القليل النادر، وأوردها في مقدمة كتابه (المجموع شرح المهذب) جـ 1 صـ 40 ــ 58 بعنوان (باب آداب الفتوى والمفتي والمستفتي) طبعة دار الفكر.
2 ــ العلامة ابن حمدان الحنبلي (ت 695 هـ) حيث أخذ كثيراً من مسائل كتاب (أدب المفتي والمستفتي) لابن الصلاح، وإن لم ينسبها ابنُ حمدان له، وأضاف عليها ابن حمدان مسائل خاصة باصطلاحات المذهب الحنبلي، وذلك في كتابه (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي) وقد طبعه المكتب الإسلامي (ط 4، سنة 1404هـ).
3 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) نقل في (مسودة الأصول) مسائل عن ابن الصلاح مثل أقسام المفتين.
4 ــ الإمام ابن القيم (ت 751 هـ). أخذ ابن القيم معظم مسائل كتاب ابن الصلاح وبعض المسائل عن ابن حمدان وعن ابن عبدالبر. وخلافاً للنووي وابن حمدان لم يكتف ابن القيم بالنقل المجرد عن ابن الصلاح بل ناقش وانتقد ورجَّح، وأضاف الكثير من عنده. وقد أورد هذه المسائل ضمن الجزء الرابع من كتابه اعلام الموقعين صـ 157 ــ 266، بعنوان (فصل في فوائد تتعلق بالفتوى)، مطبوع بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.
5 ــ كذلك فقد نقل عن ابن الصلاح القاضي برهان الدين بن فرحون المالكي (ت 799 هـ) في كتابه (تبصرة الحكام) وإن كان كتابه في أحكام القضاء لا الإفتاء.
6 ــ الحافظ السيوطي 911هـ، في كتابه (الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)، وطبعته عندي ط دار الكتب العلمية 1403هـ.
فرحمة الله عليهم جميعا، وجمعنا الله وإياهم في دار الخلد والنعيم.
وبعد، فهذه المصادر هى أهم ماكُتب في أحكام المفتي والمستفتي بالإضافة إلى كتب أصول الفقه التي تفرد عادة بابا لأحكام الاجتهاد والإفتاء والتقليد.
الإفتاء: هو إجابة المفتي المستفتي بإخباره عن حكم مسألته.
أو إخبار المفتي المستفتي عن حكم مسألته.
أو إخبار المفتي المستفتي عن الواجب في الواقع، والواجب: هو الحكم الشرعي، والواقع: هو الحادثة المسئول عنها.
¥