ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب. قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا , وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفى عليها الرمل فاستثارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب ; وعمرو بن ربيعة هو عمرو بن لحي كما تقدم.
قوله: (أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل)
قال ابن إسحاق: وكان لكلب بن وبرة بن قضاعة.
قلت: وبرة ;هو ابن تغلب بن عمران بن الحاف بن قضاعة , ودومة بضم الدال , الجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق , وود بفتح الواو وقرأها نافع وحده بضمها (وأما سواع فكانت لهذيل) زاد أبو عبيدة بن مدركة بن إلياس بن مضر ; وكانوا بقرب مكة. وقال ابن إسحاق: كان سواع بمكان لهم يقال له رهاط بضم الراء وتخفيف الهاء من أرض الحجاز من جهة الساحل.
قوله: (وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف)
في مرسل قتادة " فكانت لبني غطيف بن مراد " وهو غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد. وروى الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال: كانت أنعم من طيئ وجرش بن مذحج اتخذوا يغوث لجرش.
قوله: (بالجرف)
في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بفتح الحاء وسكون الواو , وله عن الكشميهني الجرف بضم الجيم والراء وكذا في مرسل قتادة , وللنسفي بالجون بجيم ثم واو ثم نون , زاد غير أبي ذر: عند سبأ.
قوله: (وأما يعوق فكانت لهمذان)
قال أبو عبيدة: لهذا الحي من همدان ولمراد بن مذحج , وروى الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال: كانت خيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرضهم.
قوله: (وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع)
في مرسل قتادة " لذي الكلاع من حمير " زاد الفاكهي من طريق أبي إسحاق " اتخذوه بأرض حمير ".
قوله: (ونسر , أسماء قوم صالحين من قوم نوح)
كذا لهم , وسقط لفظ " ونسر " لغير أبي ذر وهو أولى , وزعم بعض الشراح أن قوله " ونسر " غلط , وكذا قرأت بخط الصدفي في هامش نسخته. ثم قال هذا الشارح: والصواب وهي.
قلت: ووقع في رواية محمد بن ثور بعد قوله " وأما نسر فكانت لآل ذي الكلاع " قال " ويقال هذه أسماء قوم صالحين " وهذا أوجه الكلام وصوابه ; وقال بعض الشراح: محصل ما قيل في هذه الأصنام قولان: أحدهما أنها كانت في قوم نوح , والثاني أنها كانت أسماء رجال صالحين إلى آخر القصة.
قلت: بل مرجع ذلك إلى قول واحد , وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك.
قوله: (فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم)
كذا لهم , ولأبي ذر والكشميهني " ونسخ العلم " أي علم تلك الصور بخصوصها. وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح , وكانت الأبناء تبر الآباء , فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه ; فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء , فقال الأبناء. ما اتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم , فعبدوها. وحكى الواقدي قال: كان ود على صورة رجل , وسواع على صورة امرأة , ويغوث على صورة أسد , ويعوق على صورة فرس , ونسر على صورة طائر , وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر , وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها. والله أعلم)