تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[آخر خطبة للشيخ محمد صفوت نور الدين]

ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[07 - 10 - 02, 03:50 م]ـ

قال رحمه الله: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند، ولا شبيه، ولا مثيل، ولا قرين له، فتعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدًا؛ فهو الواحد الأحد، وهو الفرد الصمد، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي يجير ولا يجار عليه. وأشهد أن خيرة خلق الله، والمصطفى رحمةً وهداية للناس جميعًا. سيدَ الأولين والآخرين وإمام الأنبياء وخاتم المرسلين، سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وسار على طريقته وانتهج نهجه إلى يوم الدين. أما بعد .. إخوة الإسلام: فإن العبد عندما يعتريه الألم تنصرف كل أحاسيسه ومشاعره إلى ذلك الألم الذي أصابه، وتتحرك سائر الأعضاء لإزالة الألم أو تخفيفه. فإذا انقضى ذلك الألم؛ صار بالنسبة للعبد تاريخًا وذكرى، لكنه ينبغي أن يستفيد من دروس الألم التي تمر به، وأن يتعلم منها، فيعلم العبد أن الألم الذي يمر به ينبغي أن يذكره بطول السلامة التي سبقت؛ فيعلم أن مُسدي النعم السابقة هو الله، رب العالمين؛ فيحمده على السلامة التي طالت. ثم يتذكر العبد أنه عندما يتكلم حال الألم ينبغي أن يتكلم بما ينجيه، لا بما يهلكه ويرديه؛ فإن الكثير من الناس إذا أصابه الألم تسخط؛ فإذا أفاق نَدِم على تسَخُّطِهِ. لا أُريدُ أن أُقَدِّمَ بهذه المقدمة فحسب للألم الذي يصيب العبد في بدنه، إنما أتحدثُ عن آلام تُصيب أمّة؛ فتستشعر المهانة والمذلة التي تُصيبُ المسلمين في بلادهم، والتي تجعل عدوهم يتسلط عليهم فيأخذون في البحث، كيف نتخلص من هذه المهانة؟ وترى الأصوات الحماسية تعلو، تدعو الناس إلى أن يجابهوا قوة أعدائهم بقوةٍ مماثلة، وكيدَهم بكيدٍ مماثِل، ومكرَهم بمكرٍ يشبهه؛ حتى يستردوا للأُمَّةِ عزتَها، ومجدَها، وقوتَها. وذلك قد يكون مأمورًا به كما في قول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}. لكن، اعلم أن أنجع السلاح الذي يتسلحُ به المؤمن فيتفوق، أو يفقده فيتدنى، إنما هو سلاح الإيمان. ولذلك أقول: ü يجب علينا أن ننظر إلى حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين في القرون الفاضلة، والتي أمرنا ربُّ العزة أن نتعلم منها وأنزل فيها قرآنًا يُتلى، والتي أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أن فيها العظة والعبرةَ والتعلم كما قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس: قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" فننظر إلى الآلام، إلى البلايا، إلى النكبات، إلى المصائب التي نزلت بالمسلمين في أول عهدهم، وهم كانوا أجدر بأن يُجري الله عزَّ وجلَّ على أيديهِمِ الكرامات؛ فتنقلبُ لهم معايير الأمور؛ وتسير لهم الأرض سيرًا؛ وينقلبُ لَهُمُ الترابُ ذهبًا؛ وتستحيلُ لهُمُ الصحراء جنات وبساتين؛ فتفيض معهم الأموال، وتقوى الأبدان، لأنهم تبعوا خير خلق الله، وناصروا نبيَّ الله ورسولَهُ، وجاءوا بهذه الدعوة التي يدعونَ بها إلى الله عزَّ وجلَّ، لكنْ ينبغي للمسلم أن يعرفَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بُعثَ أولَ ما بُعَث فكان الكفرُ في بيته، والتكذيبُ من أهله. فبقي أبو طالب أكثرُ المدافعينَ عنه على كفره حتى مات. وكان أشدَّ الناسِ إيلامًا له وتعذيبًا: عمُهُ أبو لهب. ولم يُسلمْ من أعمامه إلا الحمزة والعباس. كان هذا من البلاء؛ والبلاءُ أنَّ قومهُ وهم أهلُ العصبية الجاهلية يتعصبون لكلِ رجلٍ يظهرُ فيهم. وقد تعصبَ بنو حنيفة إلى مسيلمةَ الكذاب، ونافحوا عنه، ودافعوا، ولكنَّ أهلَ مكةَ لم يدفعوا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، صناديدُهم، وكِبارُهم قاموا يُكذبونه، وذلك بلاءٌ عظيم. إذ انتقلنا إلى ما كان من شأن أصحابه بلال بن رباح، وما حدث له من البلاء، وعمّار، وأبيه، وأُمه. وقد قتلت سُمَّية، وقُتل ياسر والد عمّار من تعذيب أهل مكة، ولم يحول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لهم الأرض ذهبًا، ولم يجمع عليهم قلوبَ الأعداءِ حُبًّا، إنما اشتد بِهُمُ التعذيب. فلما شكوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير