[هل يحق للعالم أن يثني على نفسه؟]
ـ[أبو حاتم الخزرجي]ــــــــ[07 - 10 - 02, 12:38 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين 0 رب أعن ويسر:
قال الامام ابن عبد البرـ رحمه الله ـ:
ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه، وترك الفخر بما يحسنه إلا أن يضطر إلى ذلك كما اضطر يوسف عليه السلام حين قال (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [يوسف: 55] وذلك أنه لم يكن بحضرته من يعرف حقه فيثني عليه بما هو فيه ويعطيه بقسطه، ورأى هو أن ذلك المقعد لا يقعده غيره من أهل وقته إلا قصر عما يجب لله عز وجل من القيام به من حقوقه، فلم يسعه إلا السعي في ظهور الحق بما أمكنه، فإذا كان ذلك فجائز للعالم حينئذٍ الثناء على نفسه، والتنبيه على موضعه، فيكون حينئذٍ تحدث بنعمة ربه عنده على وجه الشكر لها 0وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث صدقات النبي r حين تنازع فيه العباس وعلي: ((والله لقد كنت فيها بارًا تابعًا للحق، صادقًا)) 0 ولم يكن ذلك تزكية لنفسه رضي الله عنه 0وأفضح ما يكون للمرء دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديمًا وحديثًا 0 (جامع بيان العلم 1/ 576)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
أنا أعلم أن أقواما كذبوا علي وقالوا للسلطان أشياء وتكلمت بكلام احتجت إليه؛ مثل أن قلت: من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري؟
ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال؟ حين تخلى عنه كل أحد؛ ولا أحد ينطق بحجته ولا أحد يجاهد عنه وقمت مظهرًا لحجته مجاهدًا عنه مرغبًا فيه؟ 0 (الفتاوى 3/ 163)
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يُثني على أحد كتبه:
((جلاء الأ فهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام)) وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها، ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وتزييف المزيف، ومخبر الكتاب فوق وصفه 0 (زاد المعاد1/ 85)
هذه النقولات عن العلماء تبين أن العالم إذا احتاج إلى مدح نفسه،أو كتابه، أو معلومة أتى بها،أو مسألة ما حقق القول فيها = يجوز له ذلك بشرطه، وهو أن يكون صادقا فيما يقول،مُحقًا فيما ادعاه من التجديد وغيره، وحتى يقبل كلام هذا العالم ينبغي ألا يُشم منه رائحة الإطراء الزائد لنفسه عن حد المعقول،لأن ذلك مما تمجُّه الأسماع، وتنفر منه الطباع، ولا ترضى به العقول، وقد يسبب رد الحق من ضعاف النفوس، فيجعلون ذلك سبيلا للتصنيف والتجريح لصاحب ذاك القول، ويتفننون في اصدار الأحكام عليه مثل قولهم:
معجب بنفسه00لايقدر العلماء00 هل كانت الأمة في جهل؟!! وما إلى ذلك من الأ قوال التي تحكم بذاتها على قائلها 0
هل قيل لا بن تيمية أنت معجب بنفسك؟!!
وهل كان ابن القيم حين أثنى على كتابه لم يؤلف أحد من المتقدمين مثل هذا الكتاب؟
مما ينبغي للعالم الذي اضطره الحال أن يُثني على نفسه؛ ألا يكون في كلامه ما يُشعر بلمز أحد من العلماء،أو الحط من قدره0
وإذا رد العالم قول عالم آخر ببراهين واضحة وأدلة بيّنة، فإن هذا لا يعني الحط من قدره لا من قريب ولا من بعيد، لأن الحق أحق أيتبع، ولا يُتسارع في الرد على هذا العالم،لأنه فلان، أو علان قبل النظر في الأدلة والبراهين القائمة بهذا القول الذي أتى به، لأن الدليل والبرهان هو المعيار الصحيح في رد الأقوال من عدمه 0 قال الله تعالى (قل هاتوا برها نكم إن كنتم صادقين)
ـ نخلص مما سبق أن الضابط في مدح العالم لنفسه 0 الضرورة والحاجة، كألا يعرف مثلاً فيضطر بذكر محاسنه للناس حتى يعرف وهذا ما ذكره القرطبي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى (اجعلني على خزائن الأرض إن حفيظ عليم)
ـ وقد يُثني العالم على نفسه لمصلحة يراها هو ليس بالضرورة أن تظهر لي أو لك 0 وهذا وقع من ابن الجوزى كثيراً وخاصة في
كتابين له ((صيد الخاطر)) و ((لفتة الكبد إلى نصيحة الولد)) 0
وفي الخاتمة نقول: من عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة، أي يتقربون إلى الله بتوقير العلماء، وتعظيم حرمتهم، والذب عنهم0 من هنا وجب على الناس أن يوفوا العلماء حقهم من التعظيم والتقدير، والإجلال وحفظ الحرمات
قال الله تعالى (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) وقال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى من القلوب)
فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله 0 وما أبلغ قول بعض العلماء: ((أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم)) إن كان من صواب فمن الله، وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله أعلم 0
¥