اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: قُلْ إنْ كانَّ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون، فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم، والجاحدين ما قلتم من أن له ولدا. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قُلْ إنْ كانَ للرَّحمَنِ وَلَدٌ كما تقولون فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فأنا أوَّلُ العابِدِينَ قال: قل إن كان لله ولد في قولكم، فأنا أوّل من عبد الله ووحده وكذّبكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد، فأنا أوّل العابدين له بذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَن وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أوّل الشاهدين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي، ومعنى إن الجحد، وتأويل ذلك ما كان ذلك، ولا ينبغي أن يكون. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب إنْ كان للرَّحْمن وَلَدٌ: أي إن ذلك لم يكن، ولا ينبغي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ قال: هذا الإنكاف ما كان للرحمن ولد، نكف الله أن يكون له ولد، وإن مثل «ما» إنما هي: ما كان للرحمن ولد، ليس للرحمن ولد، مثل قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبالُ إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال، و «إن» هي «ما» إن كان ما كان تقول العرب: إن كان، وما كان الذي تقول. وفي قوله: فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ أوّل من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد
ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحُسن الخطاب، كما قال جلّ ثناؤه قُلِ اللّهُ، وأنا أوْ إيَّاكُمْ لَعَلى هُدًى أوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وقد علم أن الحقّ معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين.
وقوله: سُبْحانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله، وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب، ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ: أي يكذّبون.)
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[05 - 10 - 02, 02:05 ص]ـ
هذا كلام الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان حول هذه الآية
قال رحمه الله (
قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمـ?نِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعبِدِينَ}.
اختلف العلماء في معنى {إِن} في هذه الآية.
فقالت جماعة من أهل العلم إنها شرطية، واختاره غير واحد، وممن اختاره ابن جرير الطبري، والذين قالوا إنها شرطية، اختلفوا في المراد بقوله: فأنا أول العابدين.
فقال بعضهم: فأنا أول العابدين لذلك الولد.
وقال بعضهم: فأنا أول العابدين لله على فرض أن له ولداً.
وقال بعضهم: فأنا أول العابدين لله جازمين بأنه لا يمكن أن يكون له ولد وقالت جماعة آخرون: إن لفظة {إِن} في الآية نافية.
والمعنى ما كان لله ولد، وعلى القول بأنها نافية ففي معنى قوله: {فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعبِدِينَ} ثلاثة أوجه
الأول وهو أقربها: أن المعنى ما كان لله ولد فأنا أول العابدين لله، المنزهين له عن الولد، وعن كل ما لا يليق بكماله، وجلاله.
والثاني أن معنى قوله {فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعبِدِينَ}: أي الآنفين المستنكفين من ذلك يعني القول الباطل المفتري على ربنا الذي هو ادعاء الولد له.
¥