لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
وهو شامل لحفظ لفظه, وما يتضمنه من أخبار وأحكام؛ ولأن الحاجة داعية إلى نقل ذلك لكثرة ذلك من الضاربين في الأرض.
وأما السنة: فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلي الله عليه وسلم (أقام بمكة تسعة عشر يوماً) – يعني عشرين يوماً إلا يوماً – يقصر الصلاة).
وفيه عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال (خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة, فكان يصلي ركعتين ركعتين, حتى رجعنا إلى المدينة, فسئل: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال أقمنا بها عشراً) ,يعني بإدخال أيام الحج فيها, وبذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم قدم في حجة الوداع مكة صبيحة يوم الأحد الموافق للرابع من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة, وخرج منها بعد أداء الحج صبيحة اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور.
وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلي الله عليه وسلم ((أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) ,أخرجه أبو داود, والبيهقي وأعلاه بتفرد معمر بوصله لكن قال النووي: وهو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم, وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقة حافظ. قلت: وقد رواه أيضاً أحمد في مسنده.
قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ص 29جـ3في الكلام على فقه غزوة تبوك وفوائدها (لم يقل صلي الله عليه وسلم للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك لكن اتفقت إقامته هذه المدة. وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير المستوطن, ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع).ا هـ ويدل على عدم التحديد من هذه السنن أن إقامة النبي صلي الله عليه وسلم اختلفت: ففي حجة الوداع أقام عشرة أيام, أربعة أيام قبل الحج في مكة وستة أيام في المشاعر, وفي عام الفتح أقام تسعة عشر يوماً, وفي تبوك عشرين يوماً, ولو كان الحكم يختلف فيها, أو فيما سواها لبينه النبي صلي الله عليه وسلم للأمة حتى لا يتأسوا فيه بما لا يجوز لهم.
ومن حدد بالأربعة, وقال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قصر فيما زاد عليها؛ لأنه لم يعزم على إقامة.
فإننا نقول لهم: ومن أين لكم أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعزم على الإقامة هذه المدة, أو كان عازماً على أقل منها, أو أكثر ولم يتفق له سوى هذه المدة؟!
ونقول ثانياً: من أين لكم أن الأربعة الأيام هي التي ينقطع بها حكم السفر دون ما عداها؟!
فسيقولون: إن الأصل أن المسافر إذا أقام في بلد أي إقامة كانت انقطع حكم سفره خولف في الأيام الأربعة لأن النبي صلي الله عليه وسلم قصر وهو مقيمها فعلم أن هذه المدة لا ينقطع بها السفر.
فنقول: بل الأصل أن المسافر باق على سفره حقيقة عرفية وشرعية حتى ينتهي برجوعه إلى محل إقامته:
أما الحقيقة العرفية: فإن الناس يقول للمسافر إنه مسافر للحج أو للدراسة ونحو ذلك, وإن كان سفره محدداً فيه الإقامة أكثر من أربعة أيام فالحاج يسافر من أول أشهر الحج ويبقى حتى يحج ويرجع وهو عند الناس مسافر ولو بقي في مكة شهر أو شهرين.
وأما الحقيقة الشرعية: ففعل النبي صلي الله عليه وسلم دليل ظاهر على بقاء حكم السفر شرعاً وإن أقام أكثر من أربعة أيام حيث قصر في مكة عام الفتح, وفي تبوك مع إقامة أكثر من أربعة أيام والقول بأنه لم يعزم على الإقامة لا دليل عليه فلا يعول عليه.
قال شيخ الإسلام ص 140جـ24 من مجموع الفتاوى لابن قاسم (وهذا مبني على أن من قدم المصر فقد خرج من حد السفر وهو ممنوع بل مخالف للنص والإجماع والعرف).
وقال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ص 30جـ3 عن هذا القول (إن فيه نظر لا يخفى النبي صلي الله عليه وسلم فتح مكة وهي ما هي وأقام فيها مؤسس قواعد الإسلام, و يهدم قواعد الشرك, ويمهد أمر ما حولها من العرب, ومعلوم قطعاً أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتى في يوم واحد, ولا يومين, وكذلك إقامته في تبوك فإنه أقام ينتظر العدو ومن المعلوم قطعاً أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل يحتاج قطعها إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يوافون في أربعة – ثم عذر قول الأصحاب إنه إذا أقام لجهاد عدو ونحوه قصر, وقال – لكنهم شرطوا شرطاً لا دليل عليه من كتاب, ولا سنة, ولا إجماع, ولا عمل الصحابة فقالوا: شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الأيام, فيقال: من أين لكم هذا الشرط, والنبي صلي
¥