وكذلك نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن التضحية بالشاة العوراء، لا نقول: إن العلماء لما نهوا عن التضحية بالشاة العمياء، أن العمياء مسكوت عنها وما سكت الله عنه فهو عفو فله أن يضحي بالعمياء، هذا مما لا يقوله عاقل.
وكذلك قال الله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ولم يصرح في الآية إلا بأن يكون القاذف ذكرا والمقذوفة أنثى فلو قذفت أنثى ذكرا، أو قذف ذكر ذكرا، أو قذفت أنثى أنثى كيف نقول: إن هذا عفو، وأن هذا القذف لا مؤاخذة فيه؛ لأن الله إنما نص على قذف الذكور للإناث حيث قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ؟
وما أراد ابن حزم هنا أن يدخل الجميع في عموم المحصنات فقال: المحصنات نعت للفروج، والذين يرمون الفروج المحصنات فيشمل الذكور والإناث، يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج، وإنما جاءت للنساء، وكيف يجري ذلك في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ؟ وهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات؟ هذا مما لا يعقل.
وكذلك نص الله -جل وعلا- على أن المبتوتة إذا نكحت زوجا غير زوجها الأول، نص الله على أنها إن طلقها الزوج الأول ثلاث طلقات فصارت مبتوتة حراما عليه إلا بعد زوج، ثم تزوجها زوج، فدخل بها، ثم طلقها هذا الزوج الأخير فإنه يجوز للأول أن ينكحها؛ لأنها حلت بنكاح الثاني.
والله إنما صرح في هذه السورة بنص واحد، وهو أن يكون الزوج الذي حللها إنما طلقها؛ لأنه قال في تطليق الأول: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثم قال في تطليق الزوج الذي حللها: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أي على الزوجة التي كانت حراما، والزوج الذي كانت حراما عليه أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فنص على طلاق المحلل خاصة فَإِنْ طَلَّقَهَا.
أرأيتم لو حللها وجامعها مائة مرة حتى حلت وكانت كماء المزن، ثم مات قبل أن يطلقها، أو فسخ حاكم عقدهما بموجب آخر بالإعسار في نفقة، أو غير ذلك من أسباب الفسخ أيقول مسلم: إن هذه لا تحل للأول؛ لأن الله ما نص إلا على قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا ولو مات لم تحل لأن الموت ليست بطلاق؟ هذا مما لا يقوله عاقل.
وأمثال هذا كثيرة جدا:
فنحن نقول: إن هذا الذي يقول ابن حزم إن الوحي سكت عنه، فالوحي لم يسكت عنه، وإنما أشار إليه لتنبيهه لبعضه على بعضه، فالغضب يدل على كل تشويش فكر، والمحصنات لا فرق بين المحصنات والمحصنين.
وقوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا لا فرق بين ما لو طلقها، أو مات عنها فبعد أن جامعها وفارقها تحل للأول سواء كان الفراق بالطلاق المنصوص في القرآن، أو بسبب آخر كالموت والفسخ، وهذا مما لا ينازع فيه عاقل وإن نازع فيه ابن حزم
ثم إن ابن حزم يسخر من الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- لأن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله-يقول: إن التشهد الأخير يخرج الإنسان فيه من الصلاة بكل مناف للصلاة وروي عنه حتى أنه لو انتقض وضوءه فضرط أنه خرج من الصلاة؛ لأن الضراط مناف لها.
وكان ابن حزم يسخر عليه من هذا فيقول: ألا ترون قياس الضراط على السلام عليكم الوارد في النصوص إن لم يكن قياس الضراط على السلام عليكم قياسا فاسدا فليس في الدنيا قياس فاسد.
ويسخر من الإمام مالك في مسائل كثيرة ويقول: إنه يقيس قياسات الألغاز لأن مالكا -رحمه الله- جعل أقل الصداق ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة.
قال: قياسا على السرقة، بزعم أن كلا منهما فيه استباحة عضو في الجملة لأن النكاح فيه استباحة الفرج بالوطء، والقطع فيه استباحة اليد بالقطع ابن حزم يسخر من مالك ويقول: هذه ألغاز ومحاجاة بعيدة من الشرع، وتشريعات باطلة، وأمثال هذا منه كثيرة.
ونحن نضرب مثلا فإنه من أشد ما حمل فيه على الأئمة -رحمهم الله-مسألة حديث تحريم ربا الفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة أنه قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى.
¥