تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو أعلى لولا أن النسائي والدارقطني أعلاه بالوقف. والله أعلم. وأما حديث علي فيرويه غسان بن الربيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سالم عن الشعبي عن الحارث عنه قال: (قال رجل للنبي (صلى الله عليه وسلم): أقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: بل أنصت فإنه يكفيك). أخرجه الدارقطني (125 وقال: (تفرد به غسان وهو ضعيف وقيس ومحمد بن سالم ضعيفان والمرسل الآتي أصح منه). يعني مرسل الشعبي وهو: وأما حديث الشعبي فيرويه علي بن عاصم عن محمد بن سالم عنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا قراءة خلف الإمام). قلت: وهذا مع إرساله ضعيف السند فإن علي بن عاصم ومحمد بن سالم كلاهما ضعيف. وقد روي عن محمد بن سالم عن الشعبي عن الحارث عن علي متصلا كما تقدم. والمرسل أصح لما قال الدارقطني. ويتلخص مما تقدم أن طرق هذه الأحاديث لا تخلو من ضعف لكن الذي يقتضيه الإنصاف والقواعد الحديثية أن مجموعها يشهد أن للحديث أصلا لأن مرسل ابن شداد صحيح الإسناد بلا خلاف والمرسل إذا روي موصولا من طريق أخرى اشتد عضده وصلح للاحتجاج به كما هو مقرر في مصطلح الحديث فكيف وهذا المرسل قد روي من طرق كثرة كما رأيت. وأنا حين أقول هذا لا يخفى علي - والحمد لله - أن الطرق الشديدة الضعف لا يستشهد بها ولذلك فأنا أعني بعض الطرق المتقدمة؟ التي لم يشتد ضعفها. (تنبيهان): الأول: عزا المؤلف الحديث لمسائل عبد الله وقد فتشت فيها عنه فلم أجده فالظاهر أنه وهم وعلى افتراض أنه فيه فكان الأولى أن يعزوه للمسند دون المسائل أو يجمع بينهما لأن المسند أشهر من المسائل كما لا يخفى على أهل العلم. الثاني: سبق أن الدارقطني ضعف الإمام أبا حنيفة رحمه الله لروايته لحديث عبد الله بن شداد عن جابر موصولا وقد طعن عليه بسبب هذا التضعيف بعض الحنفية في تعليقه على (نصب الراية) (2/ 8) ولما كان كلامه صريحا بأن التضعيف من الدارقطني كان مبهما غير مبين ولا مفسر ولما كان يوهم أن الدارقطني تفرد بذلك دون غيره من أئمة الجرح والتعديل لا سيما وقد اغتر به بعض المصححين فكتب بقلمه تعليقا ينبئ عن تعصبه الشديد للإمام على أئمة الحديث وأتباعهم بعبارة تنبئ عن أدب رفيع! فقد رأيت أن أكتب هذه الكلمة بيانا للحقيقة وليس تعصبا للدارقطني ولا طعنا في الإمام. كيف وبمذهبه تفقهت؟! ولكن الحق أحق أن يتبع فأقول: أولا: لم يتفرد الدارقطني بتضعيفه بل هو مسبوق إليه من كبار الأئمة الذين لا مجال لمتعصب للطعن في تجريحهم لجلالهم وإمامتهم فمنهم عبد الله بن المبارك فقد روى عنه ابن أبي حاتم (2/ 1 / 450) بسند صحيح أنه كان يقول: (كان أبو حنيفة مسكينا في الحديث). وقال ابن أبي حاتم: (روى عنه ابن المبارك ثم تركه بآخره. سمعت أبي يقول ذلك). ومنهم الإمام أحمد. روى العقيلي في (الضعفاء) (434) بسند صحيح عنه أنه قال: (حديث أبي حنيفة ضعيف). ومنهم الإمام مسلم صاحب الصحيح فقال في (الكنى) (ق 57/ 1): (مضطرب الحديث ليس له كثير حديث صحيح). ومنهم الإمام النسائي فقال في (الضعفاء والمتروكين) (ص 29): (ليس بالقوي في الحديث). ثانيا: إذا سلمنا أن تجريح الدارقطني كان مبهما. فلا يعني ذلك أن التجريح هو في الواقع مبهم فإن قول الإمام أحمد فيه: (حديثه ضعيف) فيه إشارة إلى سبب الجرح وهو علم ضبطه للحديث وقد صرح بذلك الإمام مسلم حين قال: (مضطرب الحديث). وكذلك النسائي أشار إلى سبب الضعف نحو إشارة أحمد حيث قال: (ليس بالقوي في الحديث) وقد أفصح عن قصده الذهبي فقال: (ضعفه النسائي من جهة حفظه وابن عدي وآخرون). وقد اعترف الحنفي المشار إليه بأن جرح الإمام من بعضهم هو مفسر ولم يسم البعض!) ولكنه دفعه بقوله: (إن الذي جرح الإمام بهذا لم يره ولم ير منه ما يوجب رد حديثه). قلت: وفيه نظر من وجهين: الأول: أن عبد الله بن المبارك رآه وروى عنه ثم ترك حديثه كما سبق عن أبي حاتم ولولا أنه رأى منه ما يوجب رد حديثه ما ترك الرواية عنه. الثاني: أن كلامه يشعر - بطريق دلالة المفهوم - أن الجارح لو كان رأى الإمام كان جرحه مقبولا! فلزمه أن يقبل جرح ابن المبارك إياه لإنه كان قد رآه كما سبق. على أن هذا الشرط مما لا أصل له عند العلماء بل نحن نعلم أن أئمة الجرح والتعليل جرحوا مئات الرواة الذين لم يروهم وذلك لما ظهر لهم من عدم ضبطهم لحديثهم بمقابلته بأحاديث الثقات المعروفين عندهم. وهذا شئ معروف لدى المشتغلين بعلم السنة. على أنني أعتقد أن المتعصبين لا يرضهم بأي وجه نقد إمامهم في رواية الحديث من أئمة الحديث المخلصين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم فها أنت ترى دفع الجرح المبين سببه بحجة لم ترد عند العلماء وهي أن الجارح لم ير الإمام فلو أنه كان رآه أفتظن أنهم كانوا يقبلون جرحه أم كانوا يقولون: كلام المتعاصرين في بعضهم لا يقبل؟! وبعد فإن تضعيف أبي حنيفة رحمه الله في الحديث لا يحط مطلقا من قدره وجلالته في العلم والفقه الذي اشتهر به ولعل نبوغه فيه وإقباله عليه هو الذي جعل حفظه يضعف في الحديث فإنما من المعلوم أن إقبال العالم على علم وتخصصه فيه مما يضعف ذاكرته غالبا في العلوم الأخرى. والله تعالى أعلم.] اهـ.

وفقكم الله أخي هيثم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير