وهي الأسهم التي ليست لشركات تزاول المحرمات –كالنوع الأول- ولا لشركات قائمة على الحلال –كالقسم الأول- وإنما هي أسهم لشركات قد تودع في بعض الأحيان بعض فلوسها في البنوك بفائدة، أو تقترض منها بفائدة، أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية، والشركات في الدول غير الإسلامية مما يكون محلها أموراً مباحة كالزراعة، والصناعة والتجارة (أي فيما عدا المحرمات السابقة في النوع الأول).
وقبل أن أذكر حكم هذه الأسهم أود أن أبين جملة من المبادئ الشرعية في هذا الصدد منها:
أولاً: أن المسلمين مطالبون بتوفير المال الحلال الطبيب الذي لا شبهة فيه، قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا" [البقرة: 168] "فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا" [النحل: 114] ويقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:" الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ... " (48)
قال الحافظ ابن حجر: "واختلف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم. وهو مردود، وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف " ثم قال: " ... رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم الخلاف الأولى ... " ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: " المكروه عقبة بين العبد الحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام ... وهو منزع حسن" (49)
ثانياً: أن الشريعة الإسلامية الغراء مبناها على رفع الحرج ودفع المشقة، وتحقيق اليسر والمصالح للأمة، فقد قال الله _تعالى_: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج: 78] وقال _تعالى_: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة: 185]، وهذا المبدأ من الوضوح ما لا يحتاج إلى دليل، بل هو مقصد من مقاصد الشريعة.
وبناء على هذا الأصل العظيم أبيحت المحظورات للضرورة، "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ" [البقرة: 173].
وكما أن الضرورة مرفوعة كذلك نزلت الحاجة منزلة الضرورة، يقول السيوطي، وابن نجيم وغيرهما: " الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت، أو خاصة " ولهذا جوزت الإجارة والجعالة، ونحوها (50)
يقول الشيخ أحمد الزرقاء: "والمراد بالحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً، أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود فهي دون الضرورة من هذه الجهة وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمراً، والثابت للضرورة مؤقتاً ... " (51)
ومن الأمثلة الفقهية لهذه القاعدة ما أجازه فقهاء الحنفية من بيع الوفاء مع أن مقتضاه عدم الجواز؛ لأنه إما من قبيل الربا؛ لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالثمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة، والرهن على هذه الكيفية جائز. (52)
ومن هذه الاجتهادات ما ذكره ابن عابدين أن مشايخ بلخ، والنسفي أجازوا حمل الطعام ببعض المحمول، ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك، وللحاجة مع أن ذلك خلاف القياس، وأن متقدمي الحنفية صرحوا بعدم جوازه (53) وذكر أيضاً أن بعض قدماء الحنفية لما سئلوا عن النسبة المئوية التي يأخذها السمسار مثل 10? قالوا: ذاك حرام عليهم، وإنما يجب لهم أجر المثل. بينما أجازه بعضهم مثل محمد بن سلمة، حيث سئل عن أجرة السمسار فقال: أرجو أنه لا بأس به –وإن كان في الأصل فاسداً- لكثرة التعامل، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه ... (54)
¥