تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذه القاعدة أدلة عملية من السنة المشرفة، منها أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أباح بيع العرايا (55) مع أن أصلها يدخل في باب الربا، حيث لم يجوز _صلى الله عليه وسلم_ بيع التمر بالرطب (56) لوجود النقصان، وعدم تحقيق التماثل الحقيقي، ومع ذلك أباح العرايا لحاجة الناس إليها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأباح بيع العرايا ... عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا ... " (57) ويقول أيضاً: " الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم" (58) ويقول: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيع لأجل نوع الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك" (59)

ثالثاً: لا ينكر دور العرف وأثره في الفقه الإسلامي ما دام لا يتعارض مع نصوص الشرعية، يقول ابن نجيم: "واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذك أصلاً ... " ثم قال: " والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره، فأقول على اعتباره أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقًّا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفاً، وقد وقع في حوانيت الجملوث بالغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدراً أخذه منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص".

ويقول ابن نجيم مضيفاً إلى ما سبق من مسائل: "وقد اعتبروا عرف القاهرة في مسائل، منها ما في فتح القدير من دخول السلم في البيت المبيع في القاهرة دون غيرها؛ لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها إلا به". (60) بل إن المحققين من العلماء لا يبيحون لعالم يفتي إلا بعد معرفته بأحوال الناس، وأعرافهم، وأن يلاحظ عرف كل بلد، وفي هذا يقول ابن القيم: " ... فمهما تجدد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغه، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله عن عرف بلده فأجره عليه ... " (61)

رابعاً: أننا –نحن المسلمين اليوم- لا نعيش عصراً يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله، فيسوده نظامك الإسلام السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وإنما نعيش في عصر يسوده النظام الرأسمالي، والاشتراكي، وحينئذ لا يمكن أن نحقق ما نصبو إليه فجأة من أن تسير المعاملات بين المسلمين على العزائم دون الرخص، وعلى المجمع عليه دون المختلف فيه، وعلى الحلال الطيب الخالص دون وجود الشبهة، فعصرنا يقتضي البحث عن الحلول النافعة حتى ولو قامت على رأي فقيه واحد معتبر ما دام رأيه يحقق المصلحة للمسلمين، بل لا ينبغي اشتراط أن نجد رأياً سابقاً، وإنما علينا أن نبحث في إطار المبادئ والأصول العامة التي تحقق الخير للأمة، ولا يتعارض مع نص شرعي ثابت.

علينا أن نبحث عن تحقيق نظام اقتصادي، علينا أن نبحث بجد عن حماية أموال المسلمين، وإبقاء اقتصادهم بأيديهم دون سيطرة غيرهم عليه، فننظر إلى هذا الأفق الواسع لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث يقول: "لو عم الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام" (62)

حكم هذا القسم من الأسهم:

بعد ذكر تلك المبادئ نعود إلى حكم هذا القسم من الأسهم، واختلاف المعاصرين، وأدلتهم مع الترجيح.

لقد اختلف المعاصرون على رأيين:

الرأي الأول: هو حرمة التصرف في هذه الأسهم ما دامت لا تقوم على الحلال المحض، وبعضهم فضل وجود هيئة رقابة شرعية لها (63)

الرأي الثاني: إباحة الأسهم (السابقة) والتصرف فيها.

هذا وقد قال الكثيرون بإباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقاً دون التطرق إلى التفصيل الذي ذكرته، منهم الشيوخ: علي الخفيف، وأبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن، وعبد العزيز الخياط، ووهبة الزحيلي، والقاضي عبد الله بن سليمان بن منيع، وغيرهم على تفصيل وتفريع لدى بعضهم يجب أن يراجع (64)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير