تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الحال الثانية: وهي أن يكون الغالب على ماله الحرام فالحكم فيما يجب على صاحبه في خاصة نفسه على ما تقدم سواء.

وأما معاملته وقبول هديته فمنع من ذلك أصحابنا، قيل على وجه الكراهة –وعز هذا القول إلى ابن القاسم- وقيل على وجه التحريم إلا أن يبتاع سلعة حلالاً فلا بأس أن تشترى منه وأن تقبل منه هبة ... (70)

وقال العز بن عبد السلام: "وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة ... (71) ومثله قال الزركشي " (72)

بل إن السيوطي ذكر أن الأصح عند فقهاء الشافعية –ما عدا الغزالي - أنهم لم يحرموا معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه، ولكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام على يده كما قال في المهذب: إن المشهور فيه الكراهة، لا التحريم خلافاً للغزالي ... قال في الإحياء: "لو اختلط في البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام" وقال: ويدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة، وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال، ويجري في أبواب، وفيها غالباً قولان، أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل ... ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلًّا وخمراً ... (73) وقال ابن المنذر: اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام، وقبول هديته وجائزته، فرخص فيه الحسن، ومكحول، والزهري والشافعي، قال الشافعي: "لا أحب ذلك، وكره ذلك طائفة ... " (74)

وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة تفصيلاً حينما سئل سؤالاً لا نزال نسمعه حتى في عصرنا الحاضر، وهو: أن رجلاً نقل عن بعض السلف من الفقهاء: أنه قال: أكل الحلال متعذر لا يمكن وجوده في هذا الزمان، فقيل له: لم ذلك؟ فذكر: أن وقعة المنصورة لم تقسم الغنائم فيها، واختلطت الأموال بالمعاملات بها، فقيل له: إن الرجل يؤجر نفسه لعمل من الأعمال المباحة، ويأخذ أجرته حلالاً، فذكر أن الدرهم في نفسه حرام.

فأجاب –رحمه الله- هذا القائل ... غالط مخطئ ... فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل الشك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة ... وقال: انظر إلى هذا الخبيث يحرم أموال المسلمين.

ثم ذكر خطورة آثار هذا التصور الفاسد، منها أن بعض الناس ظنوا ما دام الحرام قد أطبق الأرض، إذن لماذا البحث عن الحلال؟ فاعتبروا الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا منه، وبعضهم اخترعوا الحكايات الكاذبة بحجة الورع.

ثم رد على هذه المقالة، وبين بأن الغالب على أموال المسلمين الحلال، ثم ذكر عدة أصول:

"أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حراماً، وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول" ثم بين بأن حمل المسلمين على مذهب معين غلط.

ثم ذكر أصلاً آخر وهو أن خلط الحرام بالحلال لا يحرم جميع المال، -كما سبق- كما ذكر أصلاً آخر وهو أن المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه، ولذلك إذا لم يعلم صاحب اللقطة حل لملتقطها بعد التعريف بها، ومن هنا، فإذا لم يعلم حال ذلك المال الذي بيده بنى الأمر على الأصل، وهو الإباحة (75)

وذكر في جواب سؤال حول التعامل مع من كان غالب أموالهم حراماً مثل المكاسين وأكلة الربا؟

فأجاب: "إذا كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل بحل المعاملة، وقيل: بل هي محرمة، فأما المعاملة بالربا فالغالب على ماله الحلال إلا أن يعرف الكره من وجه آخر. وذلك أنه إذا باع ألفاً بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال، بل له أن يأخذ قدر الحلال، كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر، فإنه يقسم بين الشريكين، وكذلك من اختلط بماله الحلال والحرام أخرج قدر الحرام، والباقي حلال له" (76)

وسئل عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب: يخرج قدر الحرام بالميزان فيدفعه إلى صاحبه، وقدر الحلال له، وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق به عنه (77)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير