تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد ممارسات مختلفة من البنوك الإسلامية تبين للهيئات الشرعية أن منطلق الفتوى السابق قد أغفل جانبين مهمين: الأول أن كثيرا من المتداولين لا يريد الربح السنوي الموزع، بل يريد المضاربة والاسترباح من تقلبات سعر السهم (يسمى المتاجرة بالأسهم)، والثاني أن جانب الأصول في الشركة (طبيعة استثمارات الشركة) يحتاج ضبطا أكثر. فصدر من الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار قرار جديد، هو القرار ذوالرقم 485 في 23 شعبان 1422هـ، أكد على الشروط الثلاثة السابق ذكرها، وزاد عليها شرطين هما: أن لا يزيد الاستثمار المحرم في الشركة عن 15% من إجمالي الأصول، وأن لا يزيد الجزء المحرم في الربح الموزع عن 5% من إجمالي إيراد الشركة. مع تأكيد الهيئة الشرعية على أن الربا حرام، وأن القرار رخصة تقدر بقدرها وأن المنطلق في النسب المشار لها في الضوابط مسألة اجتهادية بحتة قابلة للتغيير.

مع انتشار الفتوى، وانتشار عمل التدقيق على القوائم المالية للشركات، كثرت الاجتهادات من كل الأطراف. وبدأت سوق الأسهم (ومنتديات الأسهم في الإنترنت على وجه الخصوص) بالتشتت حيال قضية الحلال والحرام في الأسهم. وأصبح كثير من الناس يصنف الشركات إلى ثلاثة أنواع: شركات نقية من الربا (وهي مباحة)، وشركات مشبوهة (وهي الشركات مباحة النشاط التي تقترض بالربا وتودع بالربا ولكن بنسب أقل من النسب التي وضعها العلماء، وهي مباحة على من يرى العمل بالضوابط)، وشركات محرمة (وهي التي تجاوزت نسب مديونياتها الربوية أو استثماراتها المحرمة النسب المذكورة في القرار).

مع كل ما سبق، لا يزال قول جماهير العلماء المعاصرين على حرمة تداول أسهم الشركات المساهمة التي تقترض أو تقرض بالربا، وهو قول غالب الهيئات العلمية على مستوى العالم الإسلامي. ولا أنسى أنني كلفت نحوا من 300 طالب من طلاب المستوى الرابع في كلية الشريعة الفصل الثاني من العام الدراسي 1425 بسؤال العلماء وطلبة العلم الشرعي الذين يعرفونهم عن حكم تلك المسألة، وجاءت ردود تفوق المائتين، ولم أفاجأ كثيرا بالإجابات، حيث كان أكثر من 95% منهم يرون حرمة ذلك.

من الجدير بالذكر أن كثيرا من متعاملي الأسهم (ومنهم من أخبرني بذلك شخصيا أو كتابيا) كان يظن أن مجرد نشر قائمة من بنك إسلامي تعني أن تلك الشركة نقية من التعاملات الربوية. ولم يدر بخلدهم أن تلك الشركات المساهمة تتعامل بالربا أو الاستثمار المحرم. بل كان منهم من يستغرب أن تقوم شركة صناعية أو زراعية أو خدماتية بالاقتراض أصلا، فضلا عن أن يكون ربويا. وكان الظن بأن رأس المال هو المصدر الرئيس لتمويل الشركة. ولم يدر بخلد كثير من المساهمين (وبعض طلبة العلم أيضا) أن الشركات المساهمة (وكثير من الأنشطة التجارية الأخرى) تعمل عبر آلية القروض وتقلل رأس المال إلى أقل حد ممكن.

مع انتشار المرابحات الإسلامية، بفضل الله تعالى، ثم بفضل انتشار البنوك الإسلامية، بدأت بعض الشركات المساهمة النظر في أساليب تمويل إسلامية لعملياتها، وإيداع فوائضها في الحسابات التوفيرية الإسلامية (على ما يشوب بعضها من تجاوزات). وبدأت بعض الشركات المساهمة تعلن ذلك التوجه وتبرزه في الصحف والمجلات والنشرات الدعائية. وهي بادرة جيدة، ويجب دعمها من كل أحد، خاصة من المشايخ وطلبة العلم والمساهمين في الشركات. ومن أهم أوجه دعمها أن يقوم المستثمرون الغيورون على إنشاء صناديق لا تعمل إلا في الأسهم النقية.

لكن ذلك أعاد الكرة مرة أخرى في السؤال عن الرخصة التي جاءت من بعض الهيئات العلمية وبعض العلماء، وهل لتلك الرخصة مبرر الآن مع وجود المرابحات الإسلامية، ومع اقتصار كثير من العملاء على المضاربة فقط، بدون النظر في الاستثمار طويل الأجل في أسهم الشركات المساهمة.

والذي يظهر لي أن الرخصة كانت في وقت أحوج ما يكون الناس لها. والآن، ومع الظروف السابق شرحها أرى الرجوع عن تلك الرخصة، وتنبيه المتعاملين مضاربة أن هناك في السوق السعودية وحدها ما يزيد عن خمسة عشرة شركة مساهمة نقية من الربا والاستثمار المحرم. ومن المهم دعم تلك الشركات أكثر من غيرها بعمليات المضاربة التي يقومون بها. وسيكون لذلك العمل دعم لكثير من منتجات البنوك الإسلامية المطروحة، سواء في جانب التمويل أو الاستثمار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير