تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم هناك أمرٌ آخر، يوضِحُ لنا أنَّ الكاتِبَ يستهزئُ ويلعبُ بعقول القراء بإثارة الكلمات الفضفاضة والعبارات الجذابَة؛ لو فَرضنا –جدلا وتمشيًا مَع الخِصم- أنَّ الأحاديث الصحيحة هي التي أخرَّجها العلماءُ في مُصنفاتِهم دون الأخرى، هل معنى ذلك أن كلَ ما لم يصِح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) منحولٌ عليه؟! إذن فما معنى إدخال العلماء في مصنفاتِ "عِلم مُصطلح الحديث" المصطلحات الآتية: ضعيف، مُنقَطِع، مُرسَل، مُعضَل، ضعيف جدًا، مُنكَر، شاذ. وكأنَّ الكاتِبَ –كَتبَه اللهُ مِن الغاوين- حَصَر القِسمَة في الصحيح والموضوع (المنحول)!

ثم هناك أمرٌ ثالِثٌ، لن يَجِدَ الكاتِبُ له جوابًا، وإن مَكَثَ عُمرَ (نوح) –عليه السلام! أقول للكاتِب: ماذا تقول في الأحاديث الضعيفة التي أخرجَها الإمامُ (أبو داود) –رحمه الله- في "سُنَنِه"؟! وكيف أخرجَها مِن بين الخمسمائة ألف حديث ورأى أن يُدخِلَها في كتابِه وهي ضعيفَةٌ؟! إنَّ هذا يعني أنَّ ما يُخرِجُه الإمامُ مِن مجموعِ ما جَمَع لا يَعني بالضرورة أنَّه صحيحٌ –حتى مِن وجهَة نظر هذا الإمام، تمامًا مِثلما لا يعني ذلك أنَّ ما جمعَه منحولٌ!!!؟؟؟

والأعجب مِن ذلك أنَّ الكاتِب -بقولِه "ومِنْ هذا يظهر الكَمُ الهائِل فيما روي من أحاديث (منحولة) عَن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يَخْرُجْ منها إلا .... "- جَعَلَ الأصلَ فيما جَمَعَه العلماء أنَّه موضوع؛ لم يَشِذّ مِنه إلا واحدٌ في المائة، وتلك –واللهِ- فِريَةٌ عظيمةٌ سُيسأل عنها أمامَ ربي –عز وجل.

3 - قوله: "وقال ابن القيم في "الوابل الصيب": إنَّ ما سمعه عبد الله بن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يبلغ 20 (عشرين) حديثًا". وعن ابن معين والقطان وأبي داود في السنن أن عبد الله بن عباس روى تسعة أحاديث، ومع ذلك فقد أسند له أحمد بن حنبل في مسنده 1696 حديثًا" اهـ ص/11.

قلتُ: واللهِ إنَّه لَمزٌ وتعريض بإمام جليل القَدْر، وهو الإمام (أحمد بن حنبل) -رحمه الله تعالى، ومن ناحية أخرى فهو دعوىَ عريضة لردِّ شَطْرٍ كبيرٍ مِن السُّنة بمثل هذه الجهالات والشُّبُهات الزائفة.

وها أنا أسوقُ لكَ نَصَّ الإمام (ابن القَيم) –رَحِمَه الله تعالى- بِحروفِه؛ لِتَعلَم كيف اقتطَعَ المؤلِّفُ مِنه ما يوافِقُ هواه، وأعرض عَمّا يهِدُّ ما بناه هَدًّا! يقولُ (ابنُ القَيم) –رَحِمَه الله-: "وهذا عَبدُ اللهِ بنُ عباسٍ حِبرُ الأمَّةِ وتُرجُمَان القُرآن، مِقدارُ ما سَمِعَ مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) لم يَبْلُغ نحوَ العشرين حَديثًا، الذي يقولُ فيه "سَمِعتُ" و"رأيتُ". وسَمِع الكَثيرَ مِن الصَّحابَةِ، وبورِك في فَهمه ..... " اهـ المُراد مِنه، «الوابِلُ الصَّيِّب»، ص 55، طـ دار الكُتب العِلمية.

فانظر لقول (ابن القيم) -رحمه الله-: "وهذا عَبدُ اللهِ بنُ عباسٍ ... مِقدارُ ما سَمِعَ مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) ..... "، فابنُ القَيم –رحمه الله- يتكلم عن الأحاديث التي رواها (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بصيغة التحديث أو السَّماع (كسَمِعتُ، حدثنا، أخبرنا، ... )، فهي لم تَبْلُغ 20 حديثًا -علي حَدِّ قول ابن القيم (رحمه الله)، أما الأحاديثُ التي أسندها الإمام (أحمد) –رحمه الله- والتي بلغت 1696 حديثًا –على حَدِّ قول الكاتب؛ فهي جملة ما رواه (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- عن النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ سواءً بصيغة العنعنة أو الأننة (عن، أن)؛ -وهذه لا تُصَرِّحُ بالسَّمَاع، أو بما صرَّح فيها (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- بالسَّماع؛ -وهذه لا تتجاوز 20 حديثًا.

واعلم -أخي المسلم- أنَّه لا اختلاف بين العلماء المُحققين في أنَّ الصحابيَ إذا روى حديثًا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مُصَرِّحًا بأنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قالَه؛ فهو حُجَةٌ، سواء صرَّح بالتحديث أم لم يُصرِّح؛ لأنَّه لا يخلو مِن ثلاث حالات: إمَّا أن يكون سَمِعَه مباشرةً مِن النبي (صلى الله عليه وسلم) فهذا لا إشكالَ في حُجيته، وإمَّا أن يكون حدثَه به صحابيٌ آخر عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإخفاء اسم هذا الصحابي في السَنَد لا يضُرُّ؛ لأنَّ الصحابة كلهم عُدولٌ، وإمَّا أن يكون سَمِعَه من تابعيٍ -وهذا نادِرٌ جِدًا، وفي هذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير