تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما إن خَرَجَت المرأة مِن بيتِها لضرورَة، أو قاصِدَةً الصلاةَ في أحد المساجدِ البَعيدَةِ عن نَظَر الرِّجال؛ فتخرُّج مُنتقِبَة ولابِسَةً القُفَازَين، فإذا قامَت إلى الصلاة كَشَفَت وجْهَهَا –إذا أمِنَت عَدَم نَظَرِ الأجانِب-، وهذا ما يُقَرِرُه الحديث الشريف هُنا.

فالحديث –في كِلا الحالَتَين- لا يُفهَم مِنه بحالٍ مِن الأحوال ما فَهِمَه الكاتِب مِنه، فاللهمَّ ارزُقْنا حُسنَ الفَهَم لكِتابِك وسُنَةِ نبيك (صلى الله عليه وسلم).

أما الأدِلَة على وجوب سَتر العَورَة للمرأة وعَدَمِ لِبْسِ الضَّيقِ والرَّقيق أثناء الصلاة؛ فتُراجَع في مظانِّها في كُتُب الفِقه؛ فليستْ هي مِن موضوعِنا.

4 - أما استدلال الكاتِبِ -على ما يَدَّعِي- بمفهوم المُخالفَة؛ فأقول: على الكاتِب أن يُراجِع مَبْحَثَ "مفهوم المُخالَفَة" مِن كُتُبَ أصولِ الفِقه جيدًا؛ فسيجد فيه أنَّ هناك حالاتٍ عدَّها العلماءُ يُمتنَعُ فيها العَمَلُ بمَفهومِ المُخالَفَة؛ مِن هذه الحالات ما يُعرَف بـ "مفهوم اللَّقَب"؛ فهو لا يُعمَل به عِند جمهور العُلماء؛ مِثالُه: قولُ الرسول (صلى الله عليه وسلم): "صلاة الليل مَثنى مَثنى"، هل يفَهم فاهِمٌ مِن هذا الحديث أنَّ تخصيصَ صلاةِ الليل بالذِكر معناه أنَّ صلاة النَّهار تكون رُباعيَّة؟! كيف وقد ثَبَتَ أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى الضُّحَى ثمانِ ركَعات يُسلِّمُ مِن كل اثنتَين؟! وكان (صلى الله عليه وسلم) لا يدَعُ اثنتَين بعد الظُهر، إلى غير ذلك مِن الأدِلَة التي تُثبِتُ جوازَ الصلاة بالنهار مَثنى مَثنى، وهو ما لا يُفهَم مِن الحديث، ولذلك مَنَع العُلماء العَملَ بمُقتضَى هذا المَفهوم. وكقولِه تعالى (محمد رسول الله) []؛ لا نفَهم مِنه مُطلَقًا أن غيرَ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ليس رسول الله؛ فهذا كُفرٌ بالله يُخالِف صريحَ القرآن. والحديث الذي نحنُ بِصَدَدِه مِثالٌ صالِحٌ لِمَفْهومِ اللقَب؛ فلا يُمكِن أن نفهَمَ مِن هذا الحديث أنَّ الأصلَ في المرأة أنَّها عاريةُ الشَعْر، ولذا أمَرَهَا النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بلِبس الخِمار عند الصلاة! فالحديثُ معناه: "لِبسُ الخمار مِن شروط الصلاة"، فهو يُقَرِرُ شَرطًا عامًّا مِن شروطِ الصلاة، يستوعِبُ مُختلفَ أحوال المُكلَفِ ... فهل أنا إذا قُلتُ: مِن شروط الصلاة: "سَتر العَورَة"؛ أفهَم مِن ذلك أنَّ الإنسان خارِجَ الصلاةِ يكونُ مكشوفَ العورَة؛ نسألُ اللهَ السلامَة.

5 - وقع المؤلِف في تناقُض وتخبُّط في قولِه: "بل هي آراء متضاربة يشد بعضها أزر بعض، فيقوض بعضها كل بعض"؛ أولُ كلامِه ينقُضُ آخِرَه؛ كيف تشّد الأراءُ بعضَها أزر بعضٍ [وهذا ينتُج عنه التماسُّك والقُوَّة] فيقوِّض بعضُها كلَ بعض؟!! إن الكاتِبَ خالفَ الفِطرَة، فخالفَ لِسانُه مُرادَ عقلِه وفِكرِه، فزَلَّ قَلمُه، فلم يأتِ على الجادَّة، واللهُ المُستعان.

6 - قولُه: "لكنه لا يلزم [أي غِطاء الرأس للمرأة] فيما عدا ذلك، ولا أساس متينًا للقول بغير ذلك" مِن أبْطَل الباطِل؛ فشَعرُ المرأةِ عَورَةٌ يَجِبُ ستَرها بإجماع العُلماء، لم يَشِذَّ مِنهم أحدٌ قَط مُنذ عَهدِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) حتى الآن؛ بل وإجماعُهم أشمَلُ مِن ذلك؛ فقد أجْمَعوا على أنَّه لا يجوزُ للمرأةِ البالِغَةِ أن تُظهِرَ أكثرَ مِن وَجْهِها وكَفَيها، فأمَّا إظهارُ الوَجْه والكَفَين فَفيه خِلافٌ مَشهورٌ: الراجِحُ فيه أنَّه يَجِب سَترُهما عَن الأجانِب.

والأدِلَةُ على ذلك كَثيرَةٌ جِدًّا، مِن الكِتاب والسُّنَة:

أولا: بعضُ أدِلَة القرآن الكريم على وجوب النِّقاب، فضلا عن تَغطية الشَّعر فَحَسبُ:

قولُه تعالى: (يا أيها النَّبي قُل لأزواجِك وبَنَاتِك ونِساءِ المؤمِنين يُدنينَ عليهنَّ مِن جلابِيبِهِنَّ ذلك أدْنَى أن يُعْرَفنَ فلا يُؤذَيْن) [الأحزاب: 59]. "فالضَميرُ في قولِه تعالى (يُدنينَ) يَرجِعُ إلى ثلاث طوائف جَمعاء: إلى أزواج النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) وإلى بناتِه وإلى نِساء المؤمِنين، وقد أجمَعوا على أن سَترَ الوَجْه والكَفَين كان واجِبًا على أزواجِه (صلى الله عليه وسلم)، فإذا دَلّ هذا الفِعْلُ على وجوبِ سَتر الوَجْه والكَفَين في حِقِ طائفَةٍ مِنها؛ فلِم لا يَدُلُّ نفسُ ذلك الفِعْلِ على نَفس ذلك الوجوب فغي حَقِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير