ـ[مبارك]ــــــــ[18 - 12 - 02, 01:02 ص]ـ
عند البحث في المسائل الشرعية ينبغي جمع كل النصوص المستدل
بها على المسألة المراد بحثها، ومن ثم التحقق من نسبتها إلى الشرع
؛ لأن كل تشريع ليس مصدره القرآن أو السنة فليس هو شرعا إسلاميا
فلا تجب طاعته، وبعد ذلك النظر هل هذا المدلول من هذا النص هو المدلول الشرعي، وهذا يعرف عند أهل الأصول بتحقيق الدلالة أي التحقيق في هذا المدلول هل هو المدلول الحقيقي للنص فمهمة لايعفى
عنها فقهاء المسلمين وقد أنفق الأصوليون وجمهور الفقاء أعمارهم في
مختلف الأعصار والأمصار لبيان دلالة النص.
وينبغي أن يعلم أن النص الشرعي يحمل على المصطلح الشرعي
ككلمة الصلاة ولا يصرف عن المصطلح الشرعي إلا ببرهان، فإن لم يجد
اصطلاح شرعي حمل على المجاز الغالب استعماله ككلمة (أف) يراد بها
أقل الأذى وإن كان معناها الحقيقي حكاية صوت.
فإن لم يوجد مصطلح شرعي ولا مجاز غالب الاستعمال حمل على معناه الحقيقي في لغة العرب ولا يحمل على مجاز غير غالب الاستعمال
إلا بشرطين:
أولهما: أن يكون هذا المجاز صحيح الاحتمال في لغة العرب.
ثانيهما: أن يكون هذا المجاز الصحيح دل على تعينه برهان من سياق
النص أو من خارجه بيقين أو رجحان.
وماقام البرهان بيقين أو رجحان على أنه ليس مفهوما من النص الشرعي الصحيح الثبوت فليس شرعا ولا يجوز التعبد به، ولهذا قال الهالك أبو العلاء المعري:
وكم من فقيه خابط في ضلالة .... وحجته فيها الكتاب المنزل
إذن تمحيص دلالة النص مما يجب فيه اجتهاد المسلم.
ويلاحظ أن أختلاف ترجيحات المسلمين بين الدلالات المحتملة سعة لهم في الاختلاف لأنهم غير مكلفين باليقين في ذلك وإنما هم مكلفون بما يترجح لهم بشرط صلاح النية والصدق مع الله في طلب الحق.
وهناك نصوص محتملة الدلالة ولا يسع المسلم التحقق في دلالتها
ليمحص مدلولا يرجحه بل هو ملزم أن يرد المدلول إلى قطعيات الإسلام
وضروراته وأصوله التي تقررت بدلالات ليس فيها احتمال.
بعد هذه التقدمة أقول: وردت نصوص تفيد بظاهرها تحريم الصلاة إلى
القبور وعليها وبين القبور، وذكر هذه المواضع ليس حصرا بل وردة على
سبيل التمثيل وإلا فهي داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:
" الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص
والمقبرة: هي موضع القبور سواء فيها قبر أو قبرين أو أكثر فالصلاة فيها محرمة ويقوي ذلك ويؤكده ماذكر من تحريم الصلاة في المقبرة عن
جلّة من أهل العلم وقد تقدم ذكرهم.
ويزيد ذلك وضوحا قوله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوا في بيوتكم من
صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا " وقوله: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر، أن الشيطان
ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ".
وقد ترجم البخاري للحديث الأول بقوله:
" باب كراهية الصلاة في المقابر ".
وبين وجه ذلك الحافظ في " شرحه " فقال مامختصره:
" استنبط من قوله في الحديث: " لا تتخذوها قبورا " أن القبور ليست
محل للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر. قلت: قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر "، وقال ابن التين: تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب الى الصلاة في البيوت، إذ المتى لا يصلون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور، قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك !
قلت: إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فامسلم وان اراد نفي ذلك مطلقا فلا، فقد قدمنا وجه إستنباطه، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم إستدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليس بموضع للصلاة. وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي ".
قال الامام الالباني معلقا: وهذا هو الارجح أن الحديث يدل على ان المقبرة ليست موضعا للصلاة، لا سيما بلفظ أبي هريرة فهو أصرح في الدلالة، وقول الاسماعيلي: يدل على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر، مع مخالفته الصريحة لحديث أبي هريرة فلا يحسن حمل حديث
ابن عمر عليه، لأن الصلاة في القبر غير ممكنه عادة، فكيف يحمل كلام
الشارع عليه!؟
أما عن قول ابن التين: " الموتى لا يصلون "!
الرد على قوله هذا انظر ما سطره يراع شيخنا الامام الالباني في كتابه النفيس " أحكام الجنائز وبدعها " (272)
أما الاحتجاج بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " فغير جيد لانه عام والاحاديث الواردة في المقبرة خاصة، والخاص يقضي على العام لا العكس، قال الامام الكبير أحمد شاكر في تعليقه على " سنن الترمذي " (2/ 133): أما هذا التعليل فأنه غير جيد، لأن الخاص ـ وهو حديث ابي سعيد ـ مقدم على العام ـ ولا ينافيه ـ بل يدل على ارادة إسثناء المقبرة والحمام.
¥