ثم إني رأيت الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - قد قام بتخريج هذا الأثر فأحببت نقل كلامه ثم أضيف عليه بعض ما فاته، قال - رحمه الله -: " و بهذه المناسبة لابد من التذكير نصحا للأمة , بأن ما يذكره بعض المتصوفة عن علي رضي الله عنه أنه قال و هو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح ". فاعلم أن هذا لا يصح عنه رضي الله عنه , فقد أخرجه أبونعيم في " الحلية " (1 , 76) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام، حدثنا المحاربي، عن مالك بن مغول، عن رجل من (جعفي)، عن السدي، عن أبي أراكة عن علي.
قلت: و هذا إسناد ضعيف مظلم.
1 - أبو أراكة، لم أعرفه، ولا وجدت أحداً ذكره، و إنما ذكر الدولابي في " الكنى " (أبو أراك) و هو من هذه الطبقة , و ساق له أثراً عن عبد الله بن عمرو , و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا كعادته.
2 - الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول.
3 - محمد بن يزيد قال البخاري: " رأيتهم مجمعين على ضعفه ").انتهى كلامه - رحمه الله تعالى -، السلسلة الصحيحة: (3/ 307)
أقول: أبو أراكة، قد ذكره أيضاً البخاري في: " كتاب الكنى " (ص: 30)، وابن أبي حاتم في: " الجرح والتعديل " (9/ 336)، وسكتا عنه.
وذكره ابن حبان في: " كتاب الثقات " (5/ 584)، كعادته في ذكر المجاهيل.
وقال أبو أحمد الحاكم: " حديثه في الكوفيين " الأسامي والكنى: (2/ 87).
وأمَّا الرجل الجعفي فهو: عمرو بن شمر الجعفي الكوفي كما جاء مصرحاً به في بعض الطرق.
فقد روى ابن أبي الدنيا في: " كتاب التهجد وقيام الليل " (رقم: 205)، ومن طريقه الخطيب البغدادي في: " الموضح " (2/ 296)، والحافظ ابن عساكر في: " تاريخه " (42/ 491 – 492)، قال: حدثنا علي بن الجعد، أخبرني: عمرو بن شمر، عن السدي، عن أبي أراكة، قال: صليت مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - صلاة الفجر، فلما سلم انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح، قال: وحائط المسجد أقصر مما هو الآن قال: ثم قلب يده، وقال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يُصْبِحون صُفراً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا سجداً وقياماً يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين).ثم نهض فما رئي بعد ذلك مفتراً يضحك، حتى ضربه ابن ملجم عدو الله الفاسق.
ورواه الخطيب البغدادي في: " الموضح " (2/ 296)، من غير طريق ابن أبي الدنيا، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ، أخبرنا: أبو محمد ابن ماسي، حدثنا: محمد بن عبدوس، حدثنا: علي بن الجعد به … فذكره.
فمدار الإسناد على الجعفي هذا وقد عرفت بأنه هو عمرو بن شمر الجعفي، كما جاء مصرحاً عند ابن أبي الدنيا وغيره.
ومما يدل أيضاً على أن الجعفي المذكور في إسناد أبي نعيم هو عمرو بن شمر الجعفي، ما جاء عن ابن معين، أنه قال: (قال لي ابن نُمَيْر: سمع مالك بن مغول من عمرو بن شمر حديث أبي أراكة " التاريخ – رواية الدوري -: (رقم: 2759).
ثم إن عمرو بن شمر هذا متروك الحديث.
قال البخاري: (منكر الحديث) التاريخ الكبير: (6/ 344).والتاريخ الأوسط: (رقم: 1085).
وقال عمرو بن علي الفلاس: (منكر الحديث، حدَّث بأحاديث منكرة) الجرح والتعديل: (6/ 239).
وقال العباس بن محمد الدّوري سمعتُ يحيى بن معين يقول: (عمرو بن شمر، ليس بثقة) الجرح والتعديل: (6/ 239)، والدوري: (2/ 446)، وانظر رواية ابن محرز: (1 / رقم: 60).
وقال أيضا: (عمرو بن شمر وعمرو بن المقدام، لا يكتب عنهم) التاريخ – الدوري -: (2/ 446).
وقال أبو حاتم الرازي: (منكر الحديث جدًا، ضعيف الحديث، لا يشتغل به تركوه) الجرح والتعديل: (6/ 239 – 240).
وسئل أبو زرعة عنه فقال: (ضعيف الحديث) الجرح والتعديل: (6/ 240).
وقال ابن سعد: (كان ضعيفاً جداً، متروك الحديث) الطبقات (6/ 356).
وقال النسائي: (متروك الحديث) الضعفاء والمتروكين: (رقم: 451).
¥